النصوص المذهبية للمفهوم:
ومن اليسير الآن - بعد أن اتضحت معالم المفهوم الإسلامي عن التداول (1) - أن نلمح هذا المفهوم في النصوص المذهبية للإسلام، وفي مجموعة من الأحكام والتشريعات التي يضمها البناء العلوي للشريعة.
فمن النصوص المذهبية التي تعكس هذا المفهوم، وتحدد النظرية الإسلامية إلى التداول، ما جاء في كتاب علي عليه السلام إلى واليه على مصر، مالك الأشتر، وهو يضع له برنامج العمل، ويحدد له مفاهيم الإسلام ((ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا. المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه. فإنهم مواد المنافع، وأسباب المرافق، وجلابها من المباعد والمطارح، في برك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترون عليها)) (2).
وواضح من هذا النص أن فئة التجار جعلت في صف واحد مع ذوي الصناعات، أي المنتجين، وأطلق عليهم جميعا أنهم مواد المنافع، فالتاجر يخلق منفعة كما يخلق الصانع وعقب ذلك بشرح المنافع التي يخلقها التجار، والعمليات التي يمارسونها في جلب المال من المباعد والمطارح، ومن حيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترئون عليها.
فالتجارة في نظر الإسلام - إذن - نوع من الإنتاج والعمل المثمر. ومكاسبها إنما هي في الأصل نتيجة لذلك، لا للعملية في نطاقها القانوني فحسب.
وهذا المفهوم الإسلامي عن التداول ليس مجرد تصور نظري فحسب، وإنما يعبر عن اتجاه عملي عام لأنه يقدم الأساس الذي تملأ الدولة على ضوئه الفراغ المتروك لها في حدود صلاحياتها، كما ألمعنا إلى ذلك سابقا.