خالصة، بعيدا عن الواقع الخارجي، وتجاربه الاقتصادية. وهكذا بدا فجأة وقد تقمص شخصية (أرسطو) الميتافيزيقية في الاستدلال والتحليل. ولهذه الظاهرة سببها الذي اضطر ماركس إلى هذا الموقف، لأن الحقائق الواضحة عن الحياة الاقتصادية، تعبر دائما عن ظواهر تناقض تماما النتائج التي تؤدي إليها النظرية الماركسية. فإن من نتيجة هذه النظرية أن الأرباح المكتسبة تختلف من مشروع إلى آخر، تبعا لاختلاف كمية العمل المأجور المنفق خلال الإنتاج، دون أن يكون لكمية الآلات والأدوات أثر في ذلك، لأنها لا تضفي على النتائج أية قيمة أكثر مما تفقده، مع أن الربح في الحياة الاقتصادية السائدة، يزداد كلما ازدادت الآلات والأدوات التي يتطلبها المشروع. فلم يتمكن ماركس لأجل هذا من التدليل على نظريته بشواهد من واقع الحياة الاقتصادية، فحاول أن يبرهن عليها بصورة تجريدية، حتى إذا أكمل مهمته هذه، جاء إلى النتائج المقلوبة في واقع الحياة الاقتصادية. ليؤكد أنها لم توجد مقلوبة نتيجة لخطأ النظرية التي يؤمن بها، وإنما هي مظهر من مظاهر المجتمع الرأسمالي، الذي يضطر المجتمع إلى الانحراف عن قانون القيمة الطبيعي، والتكيف وفقا لقوانين العرض والطلب (1).
نقد القاعدة الأساسية للاقتصاد الماركسي والآن فلنفحص قانون القيمة عند ماركس، في ضوء الدليل الذي قدمه عليه.
يبدأ ماركس في دليله - كما رأينا - من تحليل عملية التبادل (تبادل السرير الخشبي بثوب من حرير مثلا)، فيرى أن هذه العملية تعبر عن مساواة السرير للثوب في القيمة التبادلية، ثم يتساءل: لماذا كان السرير والثوب متساويين في القيمة التبادلية؟. ويجيب أن السبب في ذلك اشتراكهما في أمر واحد، موجود فيهما بدرجة واحدة، وليس هذا الأمر المشترك بين الثوب والسرير إلا العمل المتجسد فيهما، دون المنافع والخصائص الطبيعية التي يختلف فيها السرير عن الثوب فالعمل