وهكذا نجد - إذا نظرنا إلى روسيا، زاوية القوى المنتجة، والحالة الصناعية - كما تنظر الماركسية دائما - أن المشكلة الرئيسية هي: مشكلة إيجاد التصنيع، لا تناقض نمو التصنيع مع كيانات المجتمع السياسية والاقتصادية.
وقد تسلمت الثورة الاشتراكية الحكم واستطاعت بطبيعة كيانها السياسي (القائم على سلطة مطلقة لا حدود لها) وطبيعة كيانها الاقتصادي (القائم على تركيز كل عمليات الإنتاج في وجهة واحدة هي الدولة) أن تخطو خطوات جبارة في تصنيع البلاد. فكانت الحكومة الاشتراكية هي التي تخلق أسباب وجودها والمبررات الماركسية لنشوئها، وتنشئ الطبقة التي تزعم أنها تمثلها، وتنقل القوى المنتجة في البلد إلى المرحلة التي أعدها (ماركس) لاشتراكية العلمية.
ومن حقنا بعد هذا أن نتساءل عما إذا كانت تقوم حكومة ثورية في روسيا تحمل الطابع السياسي والاقتصادي للاشتراكية، لو أن روسيا لم تكن متأخرة صناعيا وسياسيا وفكريا، عن مستوى الدول الصناعية الكبرى؟!
والصين - وهي البلد الآخر الذي ساد فيه النظام الاشتراكي بالثورة - نجد فيها - كما وجدنا في روسيا - التناقض الواضح بين النظرية والتطبيق. فلم تكن الثورة الصناعية هي العامل الأساسي في تكوين الصين الجديدة، وقلب نظام الحكم فيها، ولم يكن لوسائل الإنتاج، وفائض القيمة، وتناقضات رأس المال، التي تقررها قوانين المادية التاريخية، أي دور رئيسي في المعترك السياسي.
وشئ آخر جدير بالملاحظة هو: أن الثورات الداخلية، التي مارست عملية تطبيق الاشتراكية الماركسية، لم تكن تعتمد في انتصارها على الصراع الطبقي، وانهيار الطبقة الحاكمة أمام الطبقة المحكومة، بسبب شدة التناقضات الطبقية بينهما، بمقدار ما اعتمدت على انهيار الجهاز الحاكم، انهيارا عسكريا، بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي مكن للقوى المعارضة - وعلى رأسها الحزب الشيوعي - من الإنتصار السياسي، بشكل ثوري، أدى إلى امتلاك الحزب الشيوعي لأزمة الحكم، بصفته أبرع