وإذا استبعدنا الدليل التجريبي الدقيق، عن نطاق البحث التاريخي، لم يبق لدى مفسر التاريخ إلا الملاحظة المنظمة، التي تحاول أن تستوعب أكبر مقدار ممكن، من أحداث التاريخ وظواهره، حيث يأخذه الباحث التاريخي كما هي، ويحاول أن يفسرها، ويضع لها مفاهيمها العامة، على طريقة التعداد البسيط.
وعلى هذا الأساس نعرف: أن الماركسية لم تكن تملك - حين وضعت مفهومها الخاص عن التاريخ - سندا علميا لها، سوى الملاحظة، التي رأتها الماركسية كافية، للتدليل على وجهة نظرها المعينة إلى التاريخ. وأكثر من هذا، أنها زعمت: أن الملاحظة المحدودة في نطاق تاريخي ضيق، تكفي وحدها لإستكشاف قوانين التاريخ كلها، واليقين العلمي بها. فقد قال أنجلز:
((ولكن فيما كان البحث عن هذه الأسباب المحركة في التاريخ مستحيلا تقريبا، في سائر المراحل السابقة، بسبب تعثر علاقتها وتخفيها مع ردود الفعل، التي تؤثر بها، فإن عصرنا قد بسط هذه العلائق كثرا، بحيث أمكن حل اللغز. فمنذ انتصار الصناعة الكبرى، لم يعد خافيا على أحد في إنكلترا، بأن النضال السياسي كله يدور فيها حول طموح طبقتين إلى السلطة، ألا وهما: الأرستقراطية العقارية، البورجوازية)) (1).
ومعنى هذا: أن ملاحظة الوضع الاجتماعي، في فترة معينة من حياة أوروبا أو انكلترا خاصة، كانت كافية في رأي المفكر الماركسي الكبير أنجلز، لليقين العلمي، بأن العامل الاقتصادي، والتناقض الطبقي، هو العامل الأساسي في التاريخ الإنساني كله، بالرغم من أن فترات التاريخ الأخرى، لا تكشف عن ذلك لأنها غائمة معقدة، كما اعترف بذلك (أنجلز) نفسه، فمشهد واحد من مشاهد التاريخ في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، استطاع أن يقنع الماركسية بأن القوى المحركة للتاريخ، عبر عشرات الآلاف من السنين، هي قوى العامل الاقتصادي، يقنعها بذلك لا لشيء، إلا لأن هذا العامل، هو الذي بدا لها أنه مسيطر على ذلك المشهد التاريخي