وأسبابه. ولا يصل هذا التفسير الافتراضي، إلى الدرجة العلمية، إلا إذا استطاع الدليل العلمي، أن يبرهن، وينفي إمكان أي تفسير آخر، للظاهرة موضوعة البحث، عداه. فما لم يقم الدليل على ذلك، لا يصل التفسير المفترض إلى درجة اليقين العلمي، ولا يوجد مبرر لقبوله، دون سواه من الافتراضات والتفاسير. فمثلا قد نجد شخصا معينا، يلتزم في ساعة معينة، بالعبور من شارع خاص. وقد نفترض لتفسير هذه الظاهرة: أن هذا الشخص يسلك هذا الطريق بالذات، في كل يوم، لأن له عملا يوميا في معمل، يقع في منتهى الشارع. وهذا الافتراض وإن كان يصلح لتفسير الواقع، غير أن ذلك لا يعين قبوله، ما دام من الممكن أن نفسر سلوك هذا الشخص، في ضوء آخر: كما إذا افترضنا أنه يزور صديقا له، يسكن بيتا في ذلك الشارع. أو يراجع طبيبا يقطن في تلك المنطقة، ليستشيره في حالة مرضية. أو يقصد مدرسة معينة، تلقى فيها المحاضرات بصورة رتيبة.
وهكذا الأمر في التفسير الماركسي للتاريخ (المادية التاريخية)، فإنه لا يمكن - حتى إذا افترضنا كفاءته لتفسير الواقع التاريخي - إن يكتسب الدرجة العلمية أو الوثوق العلمي، ما لم يخرج عن كونه افتراضا، ويحصل على دليل علمي، يدحض كل افتراض عداه، في تفسير التاريخ.
ولنأخذ تفسير المادية التاريخية للدولة مثالا لذلك. فهي تفسير نشوء الدولة ووجودها في حياة الانسان، على أساس العامل الاقتصادي، والتناقض الطبقي، فالمجتمع المتناقض طبقيا، يلتهب فيه الصراع، بين الطبقة القوية المالكة لوسائل الإنتاج، والطبقة الضعيفة التي لا تملك شيئا، فتقوم الطبقة الغالبة، بإنشاء أداة سياسية لحماية مصالحها الاقتصادية، والحفاظ على مركزها الرئيسي. وهذه الأداة السياسية في الحكومة، بمختلف أشكالها التاريخية.
وهذا التفسير الماركسي للدولة أو الحكومة، لا يكتسب قيمة علمية مؤكدة، إلا إذا أفلست كل التفاسير، التي يمكن أن يبرر بها نشوء الدولة في المجتمع البشري، سوى كونها أداة سياسية للاستغلال الطبقي. وأما إذا استطعنا، أن نفسر هذه الظاهرة