التاجر الذي يستقرض ألف دينار لمشروع تجاري بفائدة معينة سوف يدفع ألف دينار الوقت المحدد إلى الدائن دون أن يستهلك منها ذرة. وفي هذه الحال تصبح الفائدة كسبا غير مشروع لأنه لا يقوم على أساس أي عمل منفق فيندرج في المدلول السلبي للقاعدة.
وهكذا نعرف أن الفرق بين الفائدة على رأس المال النقدي وبين الأجرة على أدوات الإنتاج في التشريع الإسلامي ناتج عن اختلاف بين طبيعة الانتفاع برأس المال المسلف وطبيعة الانتفاع بأدوات الإنتاج المستأجرة.
فانتفاع المقترض برأس المال لا يؤدي بطبيعته إلى استهلاك شيء منه أو من العمل المتجسد فيه، لأنه مسؤول بحكم عقد القرض عن دفع المبلغ في الوقت المحدد والنقد الذي يدفع وفاء القرض في قوة النقد المقترض ومن أي تفاوت.
وأما انتفاع المستأجر بالأداة التي استأجرها خلال عملية الإنتاج مثلا فهو يؤدي إلى استهلاكها بدرجة ما، واستهلاك العمل المجسد فيها، ولأجل ذلك كان لصاحب الأداة أن يحصل على لكسب عن طريق إيجار الأداة بسبب العمل المنفق والجهد المستهلك خلال استخدام الأداة، ولم يكن للرأسمالي أن يحصل على كسب من هذا القبيل لأنه يسترجع ماله كما هو بدون استهلاك.
ويمكننا أن نضيف إلى مجموعة الأحكام التي قدمناها للكشف عن الترابط بين البناء والنظرية حكما آخر، سبق أن تقدم في فقرة (9)، وهو الحكم الذي يقضي بعدم السماح للعامل في عقد المضاربة بالانفاق مع عمل آخر على أن يقوم الأخر بالعمل لقاء نسبة مئوية من الأرباح أقل من النسبة التي حصل عليها العامل الأول. ومن الواضح أن المنع عن هذه العملية يتفق كل الاتفاق مع المدلول السلبي للقاعدة التي نمارس اكتشافها، وهو رفض الكسب الذي لا يقوم على أساس العمل المنفق، لأن العامل الأول حين ينجز العملية الآنفة الذكر سوف يحتفظ لنفسه بالتفاوت بين النسبتين المئويتين، ويكون هذا التفاوت كسبا بدون عمل منفق، فمن الطبيعي أن يلغى وفقا للقاعدة العامة.