كما سبق في الفقرات التي أشرنا إليها آنفا.
وفي مقابل هذا حرمت أدوات الإنتاج من المشاركة في الربح، ولم تسمح لهم الشرعية بالكسب على هذا الأساس، وإنما أعطتها فرصة الكسب على أساس الأجر الثابت. فمن يملك أداة الإنتاج ليس له أن يدفعها إلى العامل على أساس المشاركة في الناتج أو الربح كما سبق في فقرة (11) من البناء العلوي المتقدم، التي جاء فيها أن من يملك شبكة صيد أو أي آلة أخرى لا يجوز دفعها إلى العامل على أساس المشاركة فيما يصطاد، فإذا اصطاد بها العامل شيئا كان الصيد كله له ولم يكن لصاحب الشبكة شيء منه.
فهذه ظواهر واضحة في البناء العلوي. ومن حق البحث علينا أن نطرح بشأنها السؤال التالي:
لماذا سمح للعمل بالكسب على أساس المشاركة في الربح، ولم يسمح بذلك لأدوات الإنتاج؟ وكيف حرمت أدوات الإنتاج من هذا اللون من الكسب بينما أتيح لصاحب المال التجاري أو صاحب الأرض أو صاحب الشجر أن يحصل عليه والحقيقة أن الفرق بين العمل وأدوات الإنتاج، الذي يسمح للعمل بالمشاركة في الناتج دون وسائل الإنتاج ينبع من نظرية توزيع ما قبل الإنتاج. فقد عرفنا في تلك النظرية أن العمل - ممارسة أعمال الانتفاع والاستثمار - هو السبب العام للحقوق الخاصة في ثروات الطبيعة الخام، ولا يوجد فمن وجهة نظر المذهب الاقتصادي سبب آخر للملكية واكتساب الحق الخاص فها. كما عرفنا أيضا أن الثروة الطبيعية إذا اكتسب فيها الفرد حقا خاص بممارسة العمل ظل حقه ثابتا ما دام نوع العمل الذي اكتسب على أساسه الحق باقيا. وفي هذه الحال لا يسمح لفرد آخر باكتساب حق خاص في تلك الثروة بإنفاق عمل جديد كما شرحته نظرية توزيع ما قبل الإنتاج بكل تفصيل. ولكن هذا لا يعني أن العمل الجديد يختلف بطبيعته عن العمل الأول بل أن كلا منهما يعتبر بمفرده سببا كافيا لتملك العامل للمادة التي عمل فيها. وإنما جرد العمل الجديد من التأثير باعتبار سبق العمل الأول زمنيا وتأثيره قبل