السلوك بعين الاعتبار، لأن من الممكن أن يكون لبعض تلك الصفات والشروط اثر في السماح بذلك السلوك وعدم تحريمه. فإذا ضبطنا جميع الصفات والشروط، التي كانت تكتنف ذلك السلوك الذي عاصر التشريع، أمكننا أن نستكشف، سكوت الشريعة عنه: سماحها بذلك السلوك متى ما وجد ضمن تلك الصفات والشروط التي ضبطناها.
نستطيع الآن في ضوء هذا الشرح أن نفهم: كيف يتسرب العنصر الذاتي إلى هذا الدليل، متمثلا في تجريد السلوك من ظروفه وشروطه.
وعملية التجريد هذه تتخذ شكلين: في بعض الأحيان يجد الممارس نفسه يعيش واقعا عامرا بسلوك اقتصادي معين، ويحس بوضوح هذا السلوك وأصالته وعمقه، إلى درجة يتناسى العوامل التي ساعدت على إيجاده، والظروف الموقتة التي مهدت له. فيخيل له أن هذا السلوك أصيل، حادثة، أو من الممكن أن يكون كذلك على أقل تقدير. ولنذكر لذلك على سبيل المثال: الإنتاج الرأسمالي في الأعمال والصناعات الاستخراجية. فإن الواقع اليوم يعض بهذا اللون من الإنتاج، الذي يتمثل في عمل أجراء يستخرجون المواد المعدنية من ملح أو نفط، ورأسمالي يدفع إليهم الأجور، ويعتبر نفسه لأجل ذلك مالكا للمادة المستخرجة. وعقد الإجارة، - هذا الذي يقوم بين الرأسمالي والعمال - يبدو الآن طبيعيا في مضمونه ونتائجه الآنفة الذكر - أي تملك العامل للأجرة، وتملك الرأسمالي للمادة - إلى اكتشاف الانسان للمعادن واستفادته منها، ويؤمنون على أساس هذا التصور: بأن هذا النوع من الإجارة كان موجودا في عصر التشريع. ومن الطبيعي أن ينتج عن كل: التفكير في الاستدلال على جواز هذه الإجارة، وتملك الرأسمالي للمادة المستخرجة.. بدليل التقرير، فيقال: إن سكوت الشريعة عن هذه الإجارة وعدم نهيها عنها دليل على سماح الإجارة، وتملك الرأسمالية للمادة المستخرجة.. بدليل التقرير، فيقال: إن سكوت الشريعة عن هذه الإجارة وعدم نهيها عنها دليل على سماح الإسلام بها.