وعلى هذا الضوء يصبح من المعقول ومن المحتمل: أن توجد لدى كل مجتهد مجموعة من الأخطاء والمخالفات لواقع التشريع الإسلامي، وإن كان معذورا فيها ويصبح من المعقول أيضا: أن يكون واقع التشريع الإسلامي في مجموعة من المسائل التي يعالجها موزعا هنا وهناك، بنسب متفاوتة في آراء المجتهدين، فيكون هذا المجتهد على خطأ في مسألة وصواب في أخرى، ويكون الآخر على العكس.
وأمام هذا الواقع الذي شرحناه من عن عملية الاجتهاد والمجتهدين، لا يملك الممارس لعملية اكتشاف المذهب الاقتصادي، إلا أن ينطلق في اكتشافه من أحكام ثبتت باجتهاد ظني معين ليجتازها إلى ما هو أعمق وأشمل، إلى نظريات الإسلام في الاقتصاد ومذهبه الاقتصادي.
ولكن علينا أن نتساءل: هل من الضروري أن يعكس لنا اجتهاد كل واحد من المجتهدين - بما يضم من أحكام - مذهبا اقتصاديا كاملا، وأسسا موحدة منسجمة مع بناء تلك الأحكام وطبيعتها؟. ونجيب على هذا السؤال بالنفي، لأن الاجتهاد الذي يقوم على أساسه استنتاج تلك الأحكام معرض للخطأ، وما دام كذلك فمن الجائز أن يضم اجتهاد المجتهد عصرا تشريعيا غريبا على واقع الإسلام، قد أخطأ المجتهد في استنتاجه، أو يفقد عنصرا تشريعيا إسلاميا لم يوفق المجتهد للظفر به في النصوص التي مارسها. وقد تصبح مجموعة الأحكام التي أدى إليها اجتهاده متناقضة في أسسها بسبب هذا أو ذاك، ويتعذر عندئذ الوصول إلى رصيد نظري كامل يوحد بينها، أو تفسير مذهبي شامل يضعها جميعا في إطراد واحد.
ولهذا يجب أن نفرق بين واقع التشريع الإسلامي كما جاء به النبي (ص)، وبين الصور الاجتهادية كما يرسمها مجتهد معين خلال ممارسته للنصوص. فنحن نؤمن بأن واقع التشريع الإسلامي في المجالات الاقتصادية ليس مرتجلا، ولا وليد نظرات متفاصلة، ومنعزلة بعضها عن البعض، بل إن التشريع الإسلامي في تلك المجالات يقوم على أساس موحد، ورصيد مشترك من المفاهيم، وينبع من نظريات الإسلام