نبرز الخطر الذي يتهدد هذا الدليل نتيجة لتجريده عن ظروفه وشروطه.
ولنشرح أولا معنى (التقرير): إن التقرير مظهر من مظاهر السنة الشريفة، ونعني به سكوت النبي (ص) أو الإمام عن عمل معين يقع على مرأى منه ومسمع، سكوتا يكشف عن سماحه به وجوازه في الإسلام.
وللتقرير على قسمين: لأنه تارة: يكون تقريرا لعمل معين، يقوم به فرد خاص، كما إذا شرب أحد الفقاع أمام النبي (ص)، فسكت عنه، فإن هذا السكوت يكشف عن جواز شربه في الإسلام. وأخرى: يكون تقريرا لعمل عام، يتكرر صدوره من الناس في حياتهم الاعتيادية، كما إذا عرفنا من عادة الناس في عهد التشريع الإسلامي قيام الأفراد باستخراج الثروات المعدنية، وتملكها بسبب استخراجها، فإن سكون الشريعة عن هذه العادة وعدم معارضتها.. يعتبر تقريرا منها ودليلا على سماح الإسلام للفرد باستخراج المادة الطبيعية وتملكها. وهذا ما يطلق عليه في البحث الفقهي اسم: العرف العام أو (السيرة العقلائية). ومرده في الحقيقة إلى اكتشاف موافقة الشريعة، إذ لو لم تكن الشريعة موافقة على ذلك السلوك الذي عاصرته، لنهت عنه. فعدم النهي دليل الموافقة.
ويتوقف هذا الاستدلال من الناحية الفقهية على عد أمور:
فأولا: يجب التأكد من وجود ذلك السلوك تاريخيا في عصر التشريع، إذ لو كان السلوك متأخرا زمنيا عن عصر التشريع، لم يكن سكوت الشرعية عنه دليلا على رضاها به، وإنما يستكشف الرضا من السكوت، إذا عاش السلوك عصر التشريع.
وثانيا: يجب التأكد من عدم صدور النهي من الشريعة عن ذلك السلوك ولا يكفي عدم العلم بصدوره، فما لم يجزم الباحث بعدم صدور النهي ليس من حقه أن يستكشف سماح الإسلام بذلك السلوك، ما دام من المحتمل أن تكون الشريعة قد نهت عنه.
وثالثا: يجب أخذ جميع الصفات والشروط الموضوعية المتوفرة في ذلك