باتجاهه النفسي وموقفه الخاص، وقد تنطمس أمام عينيه معالم الجانب الإسلامي الذي لم يتجه اليه نفسيا.
وهذا الموقف النفسي الذي تفرضه ذاتية الممارس لا موضوعية البحث، لا يقتصر تأثيره على إخفاء بعض معالم التشريع، بل قد يؤدي أحيانا إلى التضليل في فهم النص التشريعي، والخطأ في استنباط الحكم الشرعي منه، وذلك حينما يريد الممارس أن يفرض على النص موقفه الذاتي الذي اتخذه بصورة مسبقة، فلا يوفق حينئذ إلى تفسيره بشكل موضوعي صحيح.
والأمثلة على هذا من الفقه عديدة. وقد يكون نهي النبي عن: منع فضل الماء، والكلأ.. أوضح مثال من النصوص على مدى تأثر عملية الاستنباط من النص، بالموقف النفسي للممارس. فقد جاء في الرواية: أن النبي قضى بين أهل المدينة في النخل: لا يمنع نفع بئر. وقضى بين أهل البادية: أنه لا يمنع فضل ماء ولا يباع فضل كلأ (1). وهذا النهي من النبي عن منع فضل الماء والكلأ، يمكن أن يكون تعبيرا عن حكم شرعي عام، ثابت في كل زمان ومكان، كالنهي عن الميسر والخمر. كما يمكن أيضا ان يعبر عن اجراء معين، اتخذه النبي بوصفه ولي الأمر المسؤول عن رعاية مصالح المسلمين، في حدود ولايته وصلاحياته، فلا يكون حكما شرعيا عاما، بل يرتبط بظروفه ومصالحه التي يقدرها ولي الأمر.
وموضوعية البحث في هذا النص النبوي تفرض على الباحث استيعاب كلا هذين التقديرين، وتعيين أحدهما على ضوء صيغة النص وما يناظره من نصوص.
وأما أولئك الذي يتخذون موقفا نفسيا تجاه النص بصورة مسبقة، فهم يفترون منذ البدء أن يجدوا في كل نص حكما شرعيا عاما، وينظرون دائما إلى النبي من خلال النصوص بوصفه أداة لتبليغ الأحكام العامة، ويهملون دورة الإيجابي بوصفه ولي الأمر. فيفسرون النص الآنف الذكر على أساس انه حكم شرعي عام (2).