حيث إنه وجد العقد بعد أن لم يكن، فوجد منشأ الانتزاع ومصحح الاختراع، ولا يلزم وجود العرض بلا موضوع، بتوهم قيام الأمر الانتزاعي بمنشأه، لكنه يبقى المحذور الثاني على حاله، فإن العقد أو المعاطاة لو كان منشأ الانتزاع لمقولة واقعا لم يختلف فيه الأنظار، مع أنه ليس كذلك كما عرفت.
مضافا إلى أن العقد المنحل إلى لفظ وقصد ثبوت المعنى به، وداع دعاه إليه ليس بذاته منشأ لانتزاع الملكية، بل لا بد من أن يكون بلحاظ حيثية قائمة به يكون منشأ الانتزاع، وهو - مع كونه خلاف المحسوس بالوجدان، حيث إن العقد قبل التشريع لم يكن منشأ للانتزاع - يرد عليه: أن قيام الأمر الانتزاعي بمنشأه يصحح صدق العنوان المأخوذ منه على منشأه، كما أن قيام الحيثية الخاصة بالسقف الذي هو منشأ انتزاع الفوقية، يصحح صدق عنوان الفوق عليه، مع أنه لا يصدق العنوان المأخوذ من الملك - وهما عنوانا المالك والمملوك - إلا على ذات المالك والمملوك لا على العقد والمعاطاة، فلا بد من قيام حيثية بذات المالك المملوك.
بل نسبة العقد إلى الملك نسبة السبب إلى المسبب، وهما متغايران وجودا، لا نسبة المنشأ إلى ما ينتزع منه المتحدين في الوجود، بحيث يقال وجود الأمر الانتزاعي بوجود منشأه في قبال الموجود بوجود ما بحذائه.
وبالجملة: قيام المبدء لشئ - سواء كان بقيام انضمامي أو بقيام انتزاعي - يصحح صدق العنوان المأخوذ من ذلك المبدء على ما قام به المبدء، مع إنه لا يحمل العنوان على العقد أو المعاطاة، فيعلم منه أن المبدء غير قائم به بقيام انتزاعي.
الثاني: ما توهمه جماعة في باب الأحكام الوضعية من (1) أنها منتزعة من الأحكام التكليفية، كجواز التصرف بالنقل وغيره هنا، نظرا إلى أن الملكية بمعنى السلطنة، فمعنى كون الشئ بحيث يجوز التقليب والتقلب فيه بأي وجه - هو أن زمام أمره بيده -، ولا نعني بالسلطنة الوضعية إلا ذلك.
وفيه أولا: أن الملكية ربما تكون ولا ثبوت لجواز التصرف بوجه، كما في المحجور