ورابعها: أن سبب ذلك أن داود (ع) كان متشاغلا بعبادته في محرابه، فأتاه رجل وامرأته يتحاكمان، فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها، فيحكم لها أو عليها، وذلك نظر مباح على هذا الوجه، فمالت نفسه إليها ميل الخلقة والطباع، ففصل بينهما، وعاد إلى عبادته، فشغله الفكر في أمرها، وتعلق القلب بها عن بعض نوافله التي كان وظفها على نفسه فعوقب.
وخامسها: أن المعصية منه إنما كانت بالعجلة في الحكم قبل التثبت، وقد كان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده، ولا يقتضي عليه قبل المسألة، ومن أجاب بهذا الجواب قال: إن الفزع من دخولهما عليه في غير وقت العادة نساه التثبت والتحفظ.
وكل هذه الوجوه (وهذا هو جوهر القضية فليلاحظ جوابه بدقة) لا تجوز على الأنبياء (ع) لأن فيها ما هو معصية، وقد بينا أن المعاصي لا تجوز عليهم، وفيها ما هو منفر، وإن لم يكن معصية مثل أن يخطب امرأة قد خطبها رجل من أصحابه، فتقدم عليه وتزوجها، ومثل التعريض بالنزول عن المعرض وهو لا يريد الحكم.
فأما الاشتغال عن النوافل، فلا يجوز أن يقع عليه عتاب، لأنه ليس بمعصية، ولا هو منفر، فأما من زعم أنه عرض أوريا للقتل وقدمه أمام التابوت عمدا حتى يقتل، فقوله أوضح فسادا من أن يتشاغل برده.. " (1).
إذن، قول صاحب " من وحي القرآن " وفق رأي السيد المرتضى، هو قول من جوز الصغيرة على الأنبياء من غير الإمامية.
فهذا أول علم من الأعلام خرج من مصاديق " جميعا " التي ادعاها " الكاتب ".