يقول حفظه الله: " أنه سبحانه قد وعد نوحا بإنجاء أهله إلا من سبق عليه القول... ومن جانب آخر يجب أن نقف على حالة ابن نوح (ع) وأنه إما أن يكون متظاهرا بالكفر، وكان أبوه (ع) واقفا على ذلك، وإما أن يكون متظاهرا بالإيمان مبطنا للكفر، وكان أبوه (ع) يتصور أنه من المؤمنين به. فعلى الفرض الأول يجب أن يقال: إن نوحا (ع) قد فهم من قوله سبحانه: {وأهلك إلا من سبق عليه القول}.. أنه قد تعلقت مشيئته بإنجاء جميع أهله الذين ينتمون إليه بالوشيجة النسبية والسببية، سواء أكانوا مؤمنين أم كافرين غير امرأته.. وعندئذ يكون المراد من قوله: {إلا من سبق عليه القول} زوجته فقط، ولما رأى نوح (ع) أن الولد أدركه الغرق تخالج في قلبه أنه كيف يجتمع وعده سبحانه بإنجاء جميع الأهل مع هلاك ولده؟ وعند ذلك اعتراه الحزن ورفع صوته بالدعاء مناديا: {إن ابني من أهلي} من دون أن يسأل منه شيئا بل أظهر ما اختلج في قلبه.. وعلى هذا الفرض لم يكذب نوح (ع) حتى بكلمة واحدة... وحينئذ أجابه سبحانه بأن الموعود بإنجائهم هم الصالحون من أهلك لا مطلق المنتمين إليك بالوشائج الرحمية أو السببية..
وبعبارة أخرى: أن ولدك، وإن كان من أهلك... لكنه ليس من الأهل الذين وعدت بنجاتهم وخلاصهم، وهذا الجواب على صحة الفرض تام لا غبار عليه، لكن أصل الفرض وهو كون ابن نوح متظاهرا بالكفر وكان الأب واقفا عليه غير تام لما فيه:
أولا: أن من البعيد عن ساحة نوح (ع) أن يطلب من الله سبحانه أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديارا... ويتبادر إلى ذهنه من قوله تعالى: {وأهلك} مطلق المنتمين إليه مؤمنا كان أم كافرا. بل يعد دعاؤه هذا قرينة على أن الناجين من أهله هم المؤمنون فقط لا الكافرون، وأن المراد من {من سبق عليه القول} مطلق الكافرين.
ثانيا: أنه لا دليل على أنه فهم من قوله: {إلا من سبق عليه القول منهم}