ذكر " الكاتب " نصا من كتاب " الحوار في القرآن " (صفحة 4) يقول فيه صاحبه: إن إبراهيم عليه السلام كان يقف: " موقفا يجعل من نفسه طرفا للحوار الذاتي أمام دعوة الحق والباطل، فتراه يطرح قضايا الباطل من خلال أفكاره، ثم يبدأ عملية التساؤل والحوار الذاتي (الذي) يجرد فيه من نفسه شخصا ثانيا يتأمل ويناقش من أجل الوصول إلى الحق ".
ومع الالتفات إلى قوله مرتين: " الحوار الذاتي " يتضح مقصوده وتبنيه للاتجاه الثاني (عبادة إبراهيم (ع) للكواكب)؛ لا سيما إذا علمت أنه يعتبر أن إبراهيم قد خاض ثلاثة أنواع من الحوار:
الأول: ذاتي (وهو الذي تتحدث عنه آيات رؤية الكواكب).
الثاني: مع قومه (وهو الذي تتحدث عنه آيات محاججته لقومه في أمر الأصنام).
الثالث: مع ربه (وهو الذي تتحدث عنه الآيات التي طلب فيها من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى).
فيتضح أنه لو كان صاحب " من وحي القرآن " يقصد " بالحوار الذاتي " الاتجاه الأول وهو " المحاكاة الاستعراضية " لما كان للتفريق بين النوع الأول والثاني من أنواع الحوار وجه.
والملفت هنا أن " الكاتب " عمد إلى حذف ذيل هذ النص الدال بوضوح على تبنيه للاتجاه الآخر وهو قوله: ".. يتأمل ويناقش من أجل الوصول إلى الحق لينتهي بعد ذلك إلى موقف الإيمان، بأقصر الطرق وأقواه. وانظر إلى هذا الموقف الرائع الذي يصور لنا فيه رحلة الإنسان الباحث عن الحق من موقف الشك إلى موقع اليقين في أسلوب هادئ ينطلق من الحوار الذاتي.. " (1).
ولا شك أن القارئ قد لاحظ قوله: " لينتهي بعد ذلك إلى موقف الإيمان الحق ".