وذهب القائلون بتجريد النفس وقيامها بذاتها إلى أن تعلقها بالبدن هو تعلق التدبير والتصرف من غير أن تكون داخلة فيه دخول الجزء في الكل، ولا حالة فيه حلول لماء في الإناء.
قال الشريف (الجرجاني): (1) (إن تعلق النفس بالبدن ليس تعلقا ضعيفا يسهل زواله بأدنى سبب مع بقاء المتعلق بحاله، كتعلق الجسم بمكانه، وإلا تمكنت النفس من مفارقة البدن بمجرد المشيئة من غير حاجة إلى أمر آخر وليس أيضا تعلقا في غاية القوة، بحيث إذا زال التعلق بطل المتعلق، مثل تعلق الأعراض والصور المادية بحالها، لما عرفت من أنها مجردة بذاتها، غنية عما تحل فيه، بل هو تعلق متوسط بين بين، كتعلق الصانع بالآلات التي يحتاج إليها في أفعاله المختلفة).
ويدلنا تشبيه النفس بالصانع، والجسم بآلاته، أن النفس هي المبدأ والمصدر للأفعال الحيوية بشتى أنواعها، وأن الجسم ما هو إلا أداة ووسيلة لفعل النفس وانفعالها، فهي التي تبصر الألوان، والعين واسطة، وهي التي تشم الروائح، وتسمع الأصوات، وتخاف وتتألم، وتفرح وترجو وتكتب وتخطب وتزرع وتتاجر، وتتعلم وتعلم وتخترع، وتحارب وتسالم، كل أولئك وما إليها من فعل النفس. أما الجسم فوسيلة تماما كما يصنع النجار الخزانة، أما المنشار فآلة، وكفى. ولو كانت العين تبصر بطبيعتها، والأذن تسمع بذاتها، والأنف يشم، واليد تعمل بدون النفس لأدى كل عضو وظيفته بعد مفارقة الروح للجسم، كما كان يؤديها قبل الموت.
ورب قائل: كما أن العين لا تبصر، والأذن لا تسمع والأنف لا يشم بدون النفس، كذلك النفس لا تعرف الألوان والأصوات والروائح بدون