فكان من نتيجة إلحاده أن تخبط في ظلمات الشك والحيرة.
وقال آخرون: (الخير في أن لا نفكر في نفوسنا إطلاقا تفاديا للاصطدامات).
أجل، ونحن مع هذا القائل لو أن نفوسنا هي غيرنا لا تتصل بنا من قريب أو بعيد. وهذي حال من حاد عن الحق، يناقض نفسه بنفسه من حيث لا يحس ولا يشعر. ولعل قائلا: إذا كان الحل لمشكلة الروح يحتم الإيمان بوجود مبدأ أول مغاير للمادة، فلماذا - إذن - كل هذا التطويل والقال والقيل؟.
الجواب:
إن التطويل أتى من الماديين الذين افترضوا عدم وجود الخالق سلفا دون أن يقدموا دليلا، أو أثارة من علم، وقد رأينا لهم - في هذا العصر - أشياعا وأتباعا، فاضطررنا إلى نقاشهم ورد شبهاتهم، وبيان ما في أقوالهم من مفاسد وأخطاء.. وإن ردودنا على الماديين وإن تكن سلبية في ظاهرها فإنها تؤلف في واقعها دليلا إيجابيا يوقفنا على الحقيقة، وينتقل بنا من المعلوم إلى المجهول، لأن الاختلاف بيننا وبين الماديين يدور بين السلب والإيجاب، وبين الوجود واللاوجود، فإذا أبطلنا قول الماديين ثبت قهرا القول الثاني، بناء على بطلان التناقض الذي هو خير وسيلة لفصل الخصومات. إذن لا فرق بين أن نتجه إلى مزاعم الماديين فنبطلها، أو نتجاهلهم بالمرة، ونثبت ما نقول ابتداءا، لا فرق إلا في الخطة والأسلوب، هذا إلى ما ذكرنا من البراهين الإيجابية على تجريد النفس وبقائها بعد فساد البدن.