وأمر نساء النبي (ص) - ونساؤه هن القدوة الصالحة والمثال المحتذى لنساء جميع المسلمين طبعا - أن يقرن في بيوتهن ولا يخرجن منها متبرجات ولا يرين الرجال زينتهن، وإذا سألهن أحد من غير محارمهن، فليسألهن من وراء حجاب. فما لبثت أن أثرت هذه القدوة في جميع المؤمنات والمسلمات اللائي ما كن يعتبرن نساء الجاهلية قدوة لأنفسهن، وإنما كن يعتقدن نساء النبي (ص) وبناته هن القدوة لأنفسهن.
فهكذا ألغى الإسلام من المجتمع الاختلاط بين الرجال والنساء قبل تقرير حد الزنا - أي عقوبته الجنائية - وأغلق باب الأسباب والمحرضات التي تهيئ الفرص والسهولات للزنا. وبعد كل ذلك لما أنزل الله تعالى حكم حد الزنا - عقوبته الجنائية - أنزل معه من الأحكام والتعليمات ما يحول دون شيوع الفاحشة في المجتمع، ويلغي مهنة البغاء وبيع العرض إلغاءا قانونيا، ويضع لمن يرمي غيره بالزنا بدون بينة وينقل أخباره في المجتمع حدا شديدا ويأمر الرجال والنساء معا بالغض من أبصارهم. فكان الإسلام هكذا يقيم الحارس القوي على الأنظار كيلا يتدرج الأمر من التلذذ بالنظر إلى الولوع بالجمال إلى الوقوع في الغرام. ويأمر النساء بأن يميزن بين المحارم وغير المحارم من الرجال في داخل بيوتهن، ولا يبرزن متزينات لغير المحارم منهم.
ولا يصعب عليك أن تدرك بهذا كله تلك الخطة الإصلاحية التي ما جاء الإسلام بحد الزنا إلا كجزء منها، وليس هذا لحد إلا لأن يستأصل شأفة الخلعاء المستهترين الذين لا ينفكون يصرون على قضاء شهواتهم بطريق نجس، على الرغم من هذه التدابير للإصلاح الخارجي والداخلي، وعلى الرغم مما يجدون أمامهم من الطرق المشروعة لقضاء شهواتهم، وأن يجري على الذين يجدون في نفوسهم مثل هذه الميول عملية الجراحية النفسية بقتل نفس منهم،