كيف لكم أن تؤمنوا بهذا المدعي للنبوة، وهو يغير شريعة التوراة ويلغيها مراعاة للمصالح الدنيوية. ولكن عيسى عليه السلام جعل مكرهم السيئ لا يحيق إلا بهم إذ قال لهم: من كان عفيفا منكم فليتقدم ويرمها بالحجارة. فبمجرد هذه الفقرة انقشع من حوله جموع الفقهاء الكرام، وانكشف الغطاء عن وجوه الحملة القديسين الأطهار للشريعة الغراء. ولما وجد المرأة قائمة عليه وحدها بذل لها النصيحة واستتابها وقال لها ارحلي.
ذلك بأن عيسى عليه السلام ما كان قاضيا يقضي في أمرها بصفة رسمية، ولا كانت هناك حكومة إسلامية تنفذ فيها القانون الإلهي.
وقد استنبط المسيحيون بعض استنباط خاطئة من هذا الحادث، ومن بعض أقوال عيسى المتفرقة الأخرى قالها عند مختلف الموانع، وجعلوا لهم تصورا جديدا لجريمة الزنا، فإذا زنى عندهم رجل بكر بامرأة باكرة، فإن فعلهما على كونه ذنبا ليس بجريمة مستلزمة للعقوبة على كل حال. وأما إذا كان أحد المرتكبين لهذا الفعل - الرجل أو المرأة - أو كلاهما متزوجا فإنه الجريمة، غير أن الذي يجعله الجريمة إنما هو نقض العهد لا (الزنا المحض). فكل من أتى بفعل الزنا بعد كونه متزوجا فإنه مجرم لأنه نقض العهد الذي كان عقده مع زوجته - أو زوجها إن كانت المرتكبة امرأة - أمام المذبح بواسطة القسيس، أما عقوبته على إتيانه بهذه الجريمة، فإنما هي أن تقيم زوجته عليه الدعوى، وتشكو غدره إلى المحكمة وتطلب منها التفريق بينهما. وكذلك ليس من حق زوج المرأة الزانية أن يقيم عليها الدعوى في المحكمة ويطلقها أمامها فحسب، بل له كذلك أن ينال غرامة مالية من الرجل الذي أفسد زوجته. فهذه هي العقوبة التي يقررها القانون المسيحي للزناة المتزوجين والزانيات المتزوجات.