وأقرب إلى الحق فيما يرتبط بفهم مداليل الكلام ومراميه، أو هكذا يخيل لنا الآن. لا سيما إذ عرفنا أن مهاجري قريش بالذات، دون غيرهم من سائر المهاجرين هم الذين يهتمون أكثر من غيرهم برفض هذا الأمر. الأمر الذي يعطينا: أنهم يشعرون أنه يعنيهم أكثر من غيرهم.
كما أن هذا قد يشير إلى أن غيرهم لا يشاركهم الرأي فيما يرتبط بفهم المدلول الحقيقي لأمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
على أننا نريد أن نلفت النظر هنا إلى التضحيات الجسام، التي قدمها الأنصار للمهاجرين. بل وحتى في هذه الغزوة بالذات، فإن سعد بن معاذ الشهيد نفسه قد حكم بأن تكون دور بني قريظة للمهاجرين دون الأنصار.
هذا، ولا نجد مبررا لرفض المهاجرين سيادة سعد بن معاذ عليهم سوى الحسد، والاحساس بالتفوق والتميز عن الآخرين على أساس غير إسلامي، ولا إنساني مقبول، لأن المهاجرين يعتبرون أنفسهم عدنانيين، وأهل يثرب قحطانيون، وكان معظم المهاجرين من قريش، وهم سدنة للكعبة، ومن أهل مكة، وهم أيضا قوم وعشيرة رسول الله (ص).
وبذلك يتضح السبب في رفضهم قبول أي امتياز لزعيم الأنصار عليهم.
وهو منطق مرفوض من وجهة نظر إسلامية وإنسانية وإيمانية وكانت كلمات النبي واضحة الشمول لهم فإننا لم نجد في خطابه (ص) ما يبرر هذا الاختلاف.
فقد خاطب الحاضرين عنده، والجالسين معه بخطاب واحد عام، ليس فيه أية دلالة على التخصيص بفريق دون فريق. إذ لو وجدت هذه الدلالة لم يكن ثمة اختلاف، أو تردد في المقصود.
وهذا يعني: أن مبررات هذا الاختلاف خارجة عن دلالة اللفظة، وهي محض اجتهاد تمليه أجواء معينة لدى هذا الفريق أو ذاك.