وقد أورد البعض على الفقرة الأولى بإمكان أن يكون هذا الطلب من إبراهيم قد حصل بعد تبشير الملائكة له بالذرية. فنزلها في كلامه منزلة الامر الحاصل والمحقق.
وبعد، فإن حكم هذا البلاء، هو أن يضرب بذلك المثل الاعلى للأجيال، في التضحية في سبيل المبدأ الحق، ولا يكتفى بمجرد رفع الشعارات، والاعلان عن المواقف كلاميا فقط. فبإسماعيل وإبراهيم ينبغي أن تكون القدوة لكل مؤمن ومؤمنة.
كما أن في إخراج فضائلهما من عالم القوة إلى عالم الفعل، وإظهارها للناس والتعريف بها تشجيع للفضائل الكامنة في غيرهم، وتحريك لها لتقوم بمحاولة الظهور على الصعيد العملي، أي أن في ذلك هزة عاطفية مؤثرة في كل من يملك عاطفة جياشة، تستطيع أن تستثير الفضائل الكامنة في نفس الانسان، لتكون واقعا حيا وملموسا، ولتقود عملية التغيير الشاملة في حياة الانسان، ومستقبله بشكل عام.
هذا ومن غير البعيد: أن يكون المجتمع الذي عاش فيه إبراهيم وإسماعيل، قد طغت عليه المادية، فأراد الله تعالى تحويل هذا الاتجاه بصورة عملية، دون الاقتصار على إسداء النصايح، والتوجيهات.
ولعل المتأمل في هذه القضية يكتشف الكثير، مما لم نذكره، أولم نشر إليه، والله هو الموفق والمسدد.
الثالثة: ويبقى أن نشير هنا إلى أن من المقطوع به: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يريد أن يفتخر بقوله هنا: أنا ابن الذبيحين، وإنما لعله يريد من قوله هذا: أن يوجه الانظار للاستفادة من هذين الحدثين الهامين جدا. وأيضا يريد أن يفهم الآخرين: أنه شخصيا ليس غريبا عن هذا الجو، وأنه إذا كان أولئك قد بلغوا هذه المكانة في القرب من الله، والتفاني في سبيله والتسليم له، فلا يجب أن يتوقع منه موقف آخر،