تخشون كسادها ومسكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (١).
الثانية: إن من الواضح أن ذبح إسماعيل، وإراقة دمه لم يكن هو المقصود النهائي له تعالى، وذلك لقوله تعالى لإبراهيم: (قد صدقت الرؤيا)، وإنما كان المقصود هو البلاء والامتحان لإبراهيم وولده، لقوله تعالى: (إن هذا لهو البلاء المبين).
وحكمة هذا البلاء هي: أن يزيد في تزكية، وتصفية نفس إسماعيل، في مراحل إعداده لتحمل مسؤولية النبوة، وقيادة الأمة. وكذلك فإن في ذلك تزكية وتصفية وامتحانا لنفس إبراهيم (عليه السلام) ولربما يكون ذلك من الكلمات اللواتي استحق إبراهيم باتمامهن أن يجعله الله للناس إماما. قال تعالى: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي؟ قال لا ينال عهدي الظالمين﴾ (2).
وكانت قضية الذبح هي البلاء المبين كما نصت عليه الآية الكريمة.
وقد رأيت بعد أن كتبت هذا: أن العلامة الطباطبائي يذكر: أن البعض قد تنبه لذلك كالطباطبائي نفسه، واستدل له، بقوله تعالى: (ومن ذريتي) إذ لا معنى لقوله هذا إن لم يكن له ذرية بالفعل، كما أنه لم يكن يعلم، ولا يظن: أنه سيكون له ولد قبل تبشير الملائكة له بذلك، وإبراهيم لا يتفوه بما لا علم له به، ولا يظنه، ولا يحتمله، ولا يخطر له على بال، وهو بهذه السن المتقدمة. ولو كان ذلك قبل ولادة إسماعيل، لكان اللازم أن يقول: (ومن ذريتي إن رزقتني ذرية) (3).