فإنهم هم لا سواهم جرعوا * من مضض الأيام كأسا ماحلا وحملوا من دهرهم ما لم تطق * له شناخيب الفلا تحملا ولم يكونوا نزلوا في منزل * إلا وامسى للرزايا منزلا وهذه الدنيا بهم ضاقت فلا * يرون عن ضيم بها مرتحلا بلى وهم قد اخرجوا من دارهم * وانزلوا في دار كرب وبلا جلت رزاياهم وللحشر غدت * تضرب أهل الأرض فيها المثلا كم من دم زاك لهم محرم * أصبح في محرم محللا قد كنت ارضى مع جواري لهم * بالخفض عن رفع الورى معتزلا فكيف بي وقد ارى جوارهم * أحلني ارفع غايات العلى وعامل وإن علا حظي بها * أعدها عامل خفض كعلى وكتب إلى السيد محمد الأمين الحسيني عم المؤلف من النجف إلى جبل عامل معزيا له بأخيه السيد محسن وقد توفي في النجف مهاجرا في طلب العلم وراثيا له بما هذه صورته:
ما لي كلما حاولت انتعاش جسمي من موبقات الأحزان والنوائب وأردت انتقاش فهمي في صحائف بلوع الآمال والمآرب عرض لي فادح أو هي قوى جلدي وفت أعضائي وعضدي واسلمني إلى جيوش العطب والحزن وسلط علي دواهي الكرب والمحن وأناخ بكلكله على ربوع ارتياحي ومعاطن نجاحي وسدد سهام قسي غدره لإصابة غرض مسرتي وإفراحي إن سالمت لا انتفع بمسالمتي وإن خاصمت لا أملك دفع الردى في مخاصمتي وانى لي بالانفلات من شرك دنيا طبعت على الغدر مصائدها وجبلت على المكر مكائدها ترمي بأسهم جورها فلا تخطي وتأخذ الخليل بعد الخليل وهي تضن أن تعطي فلا يصح سقيمها ولا يرقى سليمها ولا تجلى غمومها ولا تندمل كلومها وعودها كاذبة وسهامها صائبة لا تقيم على حال ولا تمتع بوصال ولا تسمح بنوال:
وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تغرره أفعالها والطرائق إذا عدلت جارت على اثر عدلها * ومكروهة عاداتها والخلائق وما كفاها ما فعلت بالسلف الماضين من الآباء والبنين والاحباء والأقربين حتى دهتنا أبعد الله دارها ولا قرب مزارها بفقد انسان عين الوجود وعين انسان كل موجود أنيس بالمحراب في الأسحار ومحيي سنن التهجدات والاذكار والناهض بتشييد ما انطمس من ثناء المجد والفخار والجاهد بتمهيد ما اندرس من علوم آبائه الأبرار:
العالم العامل الموفي بمفخره * على السهى وكذاك الماجد الحسب السيد السند المفضال خير فتى * زاك لأشرف خلق الله ينتسب الفائق أهل زمانه بجلاله وكماله والمحسن في أقواله وأفعاله:
ملاذي عصامي مؤنسي سيدي الذي * يزول به غمي ويعلو به قدري وكهفي من الأيام إن ناب حادث * أبث له حزني وأشكو له أمري فجددت علينا ما خلق من جلابيب الأحزان وأنفذت إلينا كتائب الكابة والأشجان وأسالت العيون مع الدموع وأوقدت جمر الغضا ما بين محني الطلوع فيا له من فادح حطم أركان الهدى وأورد الفضل موارد الردى وملمة لا تقابل بجميل الصبر وثلمة في الدين لا تسد عمر الدهر:
مصاب ما السلو به مصاب * ولا الصبر الجميل له جميل ولقد أصبحت لما عراني من الكمد ودهاني من النكد الذي لا يقوم به جلد ابل وجه البسيطة بدمع مدرار وكلما رآني راء تمثل بقول أبي الحسن الجزار:
يا أخا مالك ويا من له * الخنساء أخت ويا أبا لمعاذ فانشد عن مناجاتي ما قاله ابن الساعاتي:
لم يبق في هذه الدنيا لنا أرب * فقل سلام عليها غير محتشم فليت أن زمانا فات دام لنا * وليت أن زمانا دام لم يدم وما برحت أكابد من الوجد ألما لا يبارح وأواري أوار النار بين الجوانح وأتذكر أياما مضت ما كان أبهاها وليالي قد انقضت ما كان أسناها وساعات تصرمت ما كان أحلاها وآنات لم يبق منها سوى أن أتمناها:
ولما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ورب خلي يؤنبني على الدمع الهتون ويفندني على ملازمة الوجد والشجون قائلا أين الأهلون والأقربون وأين القرون الذين توالت عليهم السنون وطحنتهم رحى المنون وانا إليه راجعون:
إذا كان هذا حال من كان قبلنا * فانا على آثارهم نتلاحق ومن صاحب الأيام في العمر مدة * فلذاتها لا بد منه طوالق فاسمع الخطاب وحقق الجواب وإن لكل أجل كتاب:
وفوض إلى الاقدار امرك كله * إذا جرت الأقدار لا ينفع الحذر وما كل من يشكو يغاث إذا شكا * وهل تنفع الشكوى لمن مسه الضر يثاب الفتى رغما عليه بصبره * وليس ينال الاجر من فاته الصبر ولازم هوى الأيام واصبر لحكمها * فمن عاند الأيام عانده الدهر ومن قامر الأيام في ثمراتها * فاجدر بها أن تنثني ولها القمر ولا تبر من أمرا له الدهر ناقض * فهل ممكن ابرام ما نقض الدهر فأقول لذلك القائل المطيل من الوعظ حيث لا طائل أ ما علمت أن الأمر عظيم والخطب جسيم وفي القلب جراح وما على كل ميت يناح:
يؤنبني جهلا وما بين اضلعي * لهيب الغضا يزداد وقدا على وقد ويكثر من لومي عذولي وأدمعي * تخبره ان الملامة لا تجدي فيا ليتني لم اسمع مقالة من نعاه فإنه ما نعى إلا دروس المدارس وخمول المجالس وتعطيل القوانين وتعظيم شعائر الدين كيف لا وهو العالم النحرير والفاضل المبرز في التحرير والتقرير فحق للمدارس ان تنعاه وللمساجد ان تندبه وترعاه وللمفاخر أن تحزن عليه مدى الأبد وللفضائل أن تبكي عليه بدمع سرمد وأقسم لولا مخافة أن أكون خارجا من ربقة قوم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون:
لنحت كما ناحت على صخرها التي * قد اتخذت من بعده العمر مأتما ورحت أضاهي في البكا بعد مالك * زمام المعالي والفخار متمما بيد أني رأيت كثرة النوح لن ترجع ما فات وشدة البكاء لن تدفع ما هو آت وأن الموت قد خط على من في الأرض والسماوات خط القلادة في جيد الفتاة:
وإن جميع الخلق لا بد هالك * وليس سوى الله العظيم بدائم ولو كان في الدنيا يخلد واحد * لخلد خير الناس من ولد آدم فمن أجل ذلك تعزينا بعزاء الله وسلمنا له عز وعلا ما جرى من محتوم قضائه سائلين من كرم جوده العميم وفضل احسانه القديم ان يلهمنا