يرى أمامه من نصوص وتحقيقات واستنتاجات.
وإذا صح تشيع صفي الدين وصح رأي الكاتب ولم يصح استنتاجنا، فمعنى ذلك أن صفي الدين متسلسل من أصول شيعية، ولا يبقي بعد هذا من مجال للبحث عن المتشيع الصفوي الأول، ما دام التشيع في الأسرة قد سبق عصر صفي الدين، ولم يعد صفي الدين أن كان واحدا ممن تسلسلوا من الأصول الشيعية البعيدة.
وسواء كان صاحب فكرة قيام الدولة الشيعية هو صفي الدين نفسه كما يرى الكاتب أو كان صاحب الفكرة، أو أصحاب الفكرة هم من جاءوا بعده من أحفاده، فإن عبارة الكاتب التي أتت خلال حديثه عن صفي الدين وهي قوله:... كان مقصوده السلطة المعنوية والسعادة ورواج مذهب الأئمة الاثني عشر وكلمة علي ولي الله الطيبة واستخلاص الشيعة الإمامية الناجية وأصحاب الإمام علي من بلية التقية....
إن عبارته هذه تدل على اللهفة التي كانت في نفوس الشيعة لأن يجدوا المكان الذي يأمنون فيه على أنفسهم وحرياتهم، بعد أن طال اضطهادهم وسفك دمائهم ونهب أموالهم ومطاردتهم في كل مكان، مما ألجأهم إلى الأخذ بالتقية صونا لحياتهم وكرامتهم ... كما تدل على ما كان في نفوسهم من الأسى، وما يشعرون به من الكرب لاضطرارهم للتستر بهذه التقية، الذي سماه الكاتب بلية التقية، وحسبك بهذه التسمية دلالة على محنة المتقين النفسية.
كما تدل على توقهم الشديد لأن يتحدثوا عن علي بن أبي طالب، وعلى نقمتهم من اضطرارهم للسكوت عن ذكره أو للتهامس به.
لذلك عند ما تحققت الأمنية وقامت الدولة المنشودة على يد الشاه إسماعيل، كانت ردة الفعل عنيفة منطلقة من ذلك الكبت الطويل، ومنبعثة من تلكم المصائب التي عاناها الشيعة، فرأينا أن أول ما فعله الشاه إسماعيل أن أضاف إلى الآذان: أشهد أن عليا ولي الله، وأن انطلقت بعض الأقوال المبالغة المتحدية، كما يحدثنا الكاتب ولم نجد لزوما لنشرها هنا، مما نراه نحن أمرا لا داعي له، وكان يجب أن لا يحدث ولا يستمر.
ولكن إذا نحن قلنا هذا في هذا العصر، فان علينا وعلى غيرنا أن يقدر الظروف التي انفجرت فيها النفوس والألسن بما انفجرت به بعد تلك القرون في العنت والعسف والارهاق والاذلال، وأن الذين أطلقوا تلك الأقوال لم يكن من السهل عليهم أن ينسوا أن علي بن أبي طالب كان يشتم على المنابر الاسلامية من عهد معاوية إلى عهد عمر بن عبد العزيز. وإذا كان من لوم فليس على الذين شاؤوا أن يفرجوا عن كربهم بأسلوب يتفق كل الاتفاق مع أسلوب مضطهديهم العنيف، بل على الذين ألجأوهم إلى ذلك.
على أن أول إشارة تشيع تبدو في السلسلة الصفوية أول إشارة بالنسبة إلينا هي ما ذكره عرضا الكاتب حسن بن مرتضى الحسيني الاسترآبادي نفسه وهو يتحدث عن أحد أفراد السلسلة علي المعروف ب بسياهپوش:
فهو يذكر أن الأمير تيمور الكوركاني التقى بسياهپوش وأعجب به وكتب له وثيقة وقف شاهدها الكاتب نفسه مختومة بخاتم تيموري محررة سنة 806 وفيها هذا النص الموجه من تيمور إلى سياهپوش:...
وعليه من الصلوات أزكاها ومن التحيات أنحاها، على آله وأولاده الطاهرين أجمعين... ثم يذكر بعض هؤلاء الآباء:... محمد المصطفى، وعلي المرتضى، والحسن، والحسين، نسله الإمام زين العابدين ، نسله الإمام محمد الباقر، نسله الإمام جعفر الصادق، نسله الإمام موسى الكاظم....
ثم يقل إلى الجد الذي تسلسل منه الصفويون من الإمام موسى الكاظم: أبو القاسم حمزة وهكذا وصولا إلى علي سياهپوش.
ولا شك أن تعابير هذا النص لا تصدر إلا من شيعي إلى شيعي وإذا كان ما جاء في الحديث عن سياهپوش هو إشارة تشيع، فان التشيع الواضح هو ما جاء في سيرة حيدر من إيجاده التاج ذا الاثني عشر ضلعا الرامز إلى الأئمة الاثني عشر.
على أن اللافت للنظر هنا أن حيدرا هذا المخترع للتاج الاثني عشري، والذي ابتدأ منه لقب القزلباش الشيعي أن حيدرا هذا لم يكن من أم شيعية، فان والده جنيد كان قد تزوج أخت حسن أمير قبيلة آق قوينلو القطيع الأبيض التركمانية وهي قبيلة سنية وكان يقابلها قبيلة قرة قوينلو القطيع الأسود الشيعية.
ومن هذا الزواج جاء حيدر بن جنيد، ثم إن الأمير حسن زوج ابن أخته حيدر من ابنته حليمة بيگم التي اشتهرت بعلم شاه بيگم، ومن هذا الزواج جاء علي بن حيدر، وإسماعيل بن حيدر، وهو الذي قامت على يديه الدولة الشيعية الأولى التي جهرت بالدعوة إلى التشيع واتخذت ذلك شعارا لها وطبقته عمليا.
في حين أننا لا نرى في حركة الصفويين قبل إسماعيل: من سياهپوش إلى جنيد إلى حيدر إلى علي بن حيدر الظاهر تشيعهم لا نرى في حركتهم أية دعوة شيعية علنية أو قصد لنشر التشيع، اللهم إلا إذا اعتبرنا ما فعله حيدر بن جنيد من إيجاده التاج ذا الاثني عشر ضلعا الرامزة إلى الأئمة الاثني عشر، وأمره أنصاره بوضعه على رؤوسهم إذا اعتبرنا ذلك دعوة شيعية وتصديا لنشر التشيع. وفيما عدا ذلك فإنما بدا هذا أول ما بدا علنا عند الشاه إسماعيل خليفة أخيه علي بن حيدر.
فهل في هذا ما يؤيد دعوى النهروالي بان إسماعيل هو المتشيع الأول؟ أم أن سبب ذلك أنهم كانوا منصرفين أول الأمر إلى تركيز أمرهم، فلما تركز بإسماعيل أعلن الدعوة الشيعية وصمم على نشرها؟ هذا ما نعتقد أنه الصحيح، فقد تجنبوا أول الأمر الظهور بمظهر حملة الدعوة الشيعية لئلا يؤلبوا الناس عليهم حتى إذا تمكن إسماعيل أعلن ذلك واضحا حازما.
وقد رأينا فيما تقدم في الجزء الأول من المستدركات عند الحديث عن إسماعيل ما ذكره النهروالي صراحة بان سبب غزو السلطان سليم للشاه إسماعيل هو الحؤول دون قيام دولة شيعية في العالم...
ولكن هل يمكن أن يكون للزوجة غير الشيعية، وللخال غير الشيعي من تأثير في ذلك على جنيد، ثم للأم غير الشيعية الأولى على الابن حيدر بن