جنيد، وللأم غير الشيعية الثانية على الابن علي بن حيدر، ثم لم يكن لذلك من تأثير على إسماعيل بن حيدر، لأنه نشأ في غير رعايتها وبعيدا عن تأثيرها، بل في محيط شيعي في مدينة لاهيجان، حيث نقل إليها وهو في السادسة من عمره بعد مقتل أخيه علي، الذي عهد إليه بولاية العهد، فانتقل به أنصاره خوفا عليه إلى لاهيجان، وبقيت والدته بعيدة عنه في أردبيل؟ وأن يكون هذا ما حمل النهروالي على القول بان إسماعيل هو المتشيع الأول في الصفويين، وأن سبب تشيعه نشأته في لاهيجان. على أنه إذا انطبق قولنا على جنيد وحيدر وعلي، فإنه لا ينطبق على سياهپوش.
وهنا لا بد لنا من وقفة عند ما ذكره الكاتب حسين بن مرتضى علوي عن وثيقة الوقف، وما جاء فيها عن ربط نسب السلسلة الصفوية بالامام موسى الكاظم. فان ذلك يجرنا إلى الحديث عما قيل في صحة هذا النسب، وما أثير حوله من شكوك. فالكاتب مسلم بصحة هذا النسب، ويبدو أن معاصريه مسلمون، وأن من قبلهم في عصر تيمور مسلمون أيضا، وأول ما اشتهر من الطعن في نسب الصفويين في هذا العصر، هو ما كتبه أحمد كسروي من نفي النسبة العلوية الموسوية إلى الصفويين.
ونحن حين نرى أن الأقدمين وهم الأقرب إلى الأصول الصفوية والأكثر تتبعا لها لم يتطرقوا إلى التشكيك في نسبهم، واعتبروه صحيحا سليما حين نرى ذلك لا نستطيع إلا التسليم بصحة النسب،.
ولعل النزعة التهديمية التي سيطرت على كسروي في الشطر الأخير من حياته هي من عوامل إنكاره النسب الصفوي العلوي الموسوي، لأن في هذا الإنكار تهديما لحقيقة قائمة. على أن من الإنصاف أن نترك للذين قرأوا كتاب كسروي أن يحكموا عليه، وأن يناقشوا أدلته، وأن يكونوا في هذا الموضوع معه أو عليه. فانا لم أقرأ ما كتب لأني أجهل الفارسية، ومن هنا ليس من حقي أن أحكم، وإن كان من حقي أن استنتج.
صدى قيام الدولة الصفوية عند الآخرين بعد نشرنا ما كتبه مؤرخ قديم عاش أواخر عهود الدولة الصفوية، ورأينا فيما كتبه صدى قيام هذه الدولة في نفوس الشيعة بعد ما عانوه في كل مكان من اضطهاد وترويع وقتل، وبعد ما اضطروا إلى تحمل بلية التقية كما سماها الكاتب المؤرخ. وهي بلية أي بلية...
بعد نشرنا ذلك وتعليقنا عليه نرى أن ننشر ما كتبه الآخرون المعاصرون لنشوء تلك الدولة، لأن فيما كتبوه هو أيضا صدى لما في نفوسهم.
وأفضل ما نأخذه هنا هو ما كتبه قطب الدين النهروالي المتقدم ذكره وهو مؤرخ عاصر الأحداث وشاهدها، وكان لسان الآخرين المتوجسين من الدولة الجديدة الناقمين على قيامها.
وما نأخذه هو ما نشره في كتابه الاعلام باعلام بيت الله الحرام. قال وهو يتحدث عن عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني بن محمد الفاتح الذي تولى الملك سنة 886 ما نصه:
وظهر في بلاد العجم في أيامه شاه إسماعيل بن الشيخ حيدر بن الشيخ جنيد الصفوي في سنة 905، وكان له ظهور عجيب واستيلاء على ملوك العجم يعد من الأعاجيب، فتك في البلاد، وسفك دماء العباد، وأظهر مذهب الرفض والالحاد، وغير اعتقاد العجم إلى الانحلال والفساد بعد الصلاح والسداد، وأخرب ممالك العجم، وأزال من أهلها حسن الاعتقاد، والله يفعل في ملكه ما أراد، وتلك الفتنة باقية إلى الآن في جميع تلك البلاد.
وشرح ذلك يحتاج إلى تاريخ مستقل ولا أعلم أحد تعرض له من العلماء الأمجاد.
وظهر من أتباع شاه إسماعيل المذكور في بلاد الروم (1) شخص ملحد زنديق يقال له شيطان قولي، أهلك الحرث والنسل، وعم بالفساد والقتل، وتبعه غواة لا تعد ولا تحصى، وقويت شوكته وعظم به على المسلمين في ذلك القطر الفتنة والبلاء. فأرسل السلطان بايزيد وزيره الأعظم علي باشا بعسكر كبير لقتل هذا الباغي وأمده بجيش عظيم لقطع جادرة هذا الطاغي، فاستشهد علي باشا في ذلك القتال، وقدم بأكفان شهادته إلى الله المتعال، وانكسر شيطان قولي المفسد التعيس، وعسكره من جنود إبليس، وقتل مع طائفة من أعوانه الأباليس، وأسكن الله هذه الفتنة بعد ما طمت، وكفى الله تعالى شر أولئك الأشرار بعد أن عظمت فتنتهم وعمت، وذلك في سنة 915 (2) انتهى.
ثم يروي النهروالي ظهور الدولة الصفوية على الشكل التالي، فإنه بعد أن يذكر ظهور صفي الدين ثم يستمر في ذكر أحداث خلفائه حتى يصل إلى الشيخ جنيد فيقول ما نصه (3):
فلما جلس الشيخ جنيد مكان والده في الزاوية بأردبيل كثر مريدوه وأتباعه في أردبيل فتوهم منهم صاحب آذربيجان يومئذ وهو السلطان جهانشاه بن قرا يوسف التركماني من طائفة قره قوينلو فاخرجوهم من أردبيل فتوجه الشيخ جنيد مع بعض مريديه إلى ديار بكر وتفرق عنه الباقون. وكان من أمراء ديار بكر يومئذ عثمان بيك بن قتلق بيك بن علي بيك من طائفة من آق قوينلو جد أوزون حسن بك البابندري وهو أول من تسلطن من طائفة أق قوينلو، وولي السلطنة منهم تسعة أنفس ومدة ملكهم اثنتان وأربعون سنة وأخذوا ملك فارس من طائفة قره قوينلو، وأول سلاطينهم قره يوسف بن قره محمد التركماني ومدة سلطنتهم ثلاث وستون سنة، وانقرض ملكهم على يد أوزون حسن بيك المذكور (4) في شوال سنة 873، وكان أوزون حسن بيك ملكا شجاعا مقداما مطاعا مظفرا في حروبه، ميمونا في نزوله وركوبه، إلا أنه وقع بينه وبين السلطان محمد بن السلطان مراد خان حرب عظيم في بايبرت فانكسر أوزون حسن بيك وقتل ولده زنيل بيك، وهرب هو وسلم من القتل وعاد إلى آذربيجان وملك فارس والعراقين، فلما التجأ الشيخ جنيد إلى طائفة آق قوينلو صاهره أوزون حسن بيك وزوجه بنته خديجة بيگم فولدت له الشيخ حيدر، ولما استولى أوزون حسن بيك على البلاد وطرد عنها ملوك قره قوينلو وأضعفهم عاد الشيخ جنيد مع ولده الشيخ حيدر إلى أردبيل وكثر مريدوه وأتباعه وتقوى