وخذلكم إياه عار، وأنتم حي مضماركم (1) الصبر وعاقبتكم الوفاء، فان سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم، وإن استمدوا معاوية فاستمدوا عليا، وإن وادعوكم فوادعوهم.
ثم قام صبرة بن شيمان فقال: يا معشر الأزد إنا قلنا يوم الجمل: نمنع مصرنا، ونطيع أمنا، وننصر خليفتنا المظلوم، فأنعمنا القتال وأقمنا بعد انهزام الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده، وهذا زياد جاركم اليوم والجار مضمون، ولسنا نخاف من علي ع ما نخاف من معاوية، فهبوا لنا أنفسكم، وامنعوا جاركم، أو فأبلغوه مأمنه، فقالت الأزد: إنما نحن لكم تبع فأجيروه، فضحك زياد، وقال: يا صبرة أتخشون ألا تقوموا لبني تميم؟ فقال صبرة: إن جاؤونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة (2)، وإن جاؤونا بالحتات (3) جئتهم أنا، وان كان فيهم شباب ففينا شباب كثير فقال زياد: انما كنت مازحا.
فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قاموا دون زياد بعثت إليهم: أخرجوا صاحبكم ونحن نخرج صاحبنا فأي الأميرين غلب، علي أو معاوية دخلنا في طاعته ولم نهلك عامتنا، فبعث إليهم أبو صبرة: إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره، ولعمري ما قتل زياد وإخراجه إلا سواء، وإنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا تكرما، فالهوا عن هذا.
عن أبي الكنود (4) أن شبث بن ربعي قال لعلي ع: يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحي من تميم فادعهم إلى طاعتك ولزوم بيعتك، ولا تسلط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء فان واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم، فقال له مخنف (5) بن سليم الأزدي: إن البعيد البغيض من عصى الله، وخالف أمير المؤمنين وهم قومك، وإن الحبيب القريب من أطاع الله ونصر أمير المؤمنين وهم قومي واحدهم لأمير المؤمنين خير من عشرة من قومك، فقال أمير المؤمنين ع: مه، تناهوا أيها الناس وليردعكم الاسلام ووقاره عن التباغي والتهاذي (6)، ولتجتمع كلمتكم، والزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره، وكلمة الاخلاص التي هي قوام الدين، وحجة الله على الكافرين، واذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متفرقين متباغضين فألف بينكم بالاسلام فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم، فلا تفرقوا بعد إذا اجتمعتم، ولا تباغضوا بعد أن تحاببتم، فإذا انفصل الناس وكانت بينهم الثائرة (7) فتداعوا إلى العشائر والقبائل فاقصدوا لهامهم (8) ووجوههم بالسيوف، حتى يفزعوا إلى الله وكتابه وسنة نبيه، فاما تلك الحمية حين تكون في المسلمين من خطرات الشيطان (9) فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا وتنجحوا ثم إنه ع دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي (10) فقال: يا أعين ما بلغك أن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة يدعون إلى فراقي وشقاقي ويساعدون الضلال الفاسقين علي؟! فقال: لا تستأ يا أمير المؤمنين ولا يكن ما تكره، ابعثني إليهم فانا لك زعيم (11) بطاعتهم وتفريق جماعتهم ونفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله، قال: فاخرج الساعة، فخرج من عنده ومضى حتى قدم البصرة، ثم دخل على زياد وهو بالأزد مقيم (12) فرحب به وأجلسه إلى جانبه فأخبره بما قال له علي ع وبما رد عليه، وما الذي عليه رأيه قال: فوالله إنه ليكلمه وإذا بكتاب من أمير المؤمنين ع إلى زياد فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد: سلام عليك، أما بعد، فاني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن ابن الحضرمي، فارقب ما يكون منه، فان فعل وبلغ من ذلك ما يظن به وكان في ذلك تفريق تلك الأوباش (13) فهو ما تحب، وإن ترامت الأمور (14) بالقوم إلى الشقاق والعصيان فانهض بمن أطاعك إلى من عصاك، فجاهدهم فان ظفرت فهو ما ظننت، وإلا فطاوعهم، وماطلهم ثم تسمع بهم وأبصر فكان كتائب المسلمين قد أظلت عليك فقتل الله المفسدين الظالمين، ونصر المؤمنين المحقين، والسلام.
فلما قرأه زياد، أقرأه أعين بن ضبيعة، فقال له أعين: إني لأرجوه أن تكفى هذا الأمر إن شاء الله، ثم خرج من عنده فاتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا قوم على م تقتلون أنفسكم وتهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار؟! وأني والله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود، فان تنيبوا إلى الحق يقبل منكم، ويكف عنكم، وإن أبيتم فهو والله استئصالكم وبواركم.
فقالوا: بل نسمع ونطيع، فقال: انهضوا الآن على بركة الله، فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي، فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه وواقفهم عامة يومه يناشدهم الله ويقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم ولا تخالفوا إمامكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم وجربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم وخلافكم فكفوا عنه ولم يكن بينه وبينهم قتال وهم في ذلك يشتمونه وينالون منه، فانصرف عنهم وهو منهم منتصف