بخلعه لأخيه المأمون من ولاية العهد، وعواطف الناس هي دائما مع المعتدى عليه.
ولقد أدهشني قول الدكتور منيمنة: ستزداد شكوك الخليفة المنتصر في العرب الذين أخذوا جانب الأمين، وسيتعاظم دور الجند الخراسانيين واعتماد الخليفة عليهم وستظهر نتائج ذلك واضحة في تولية قادتهم آل طاهر وإطلاق يدهم في خراسان وجوارها امراء شبه مستقلين.
إذن يعتبر آل طاهر فرسا، مع أنهم من صميم العرب، وكون طاهر بن الحسين قائدا للجيش الذي بعثه المأمون لاسترداد بغداد من أخيه الأمين وإنهاء خلافته هو الذي يؤيد قولنا أن القوة الضاربة في جيش المأمون كانت عربية.
فطاهر بن الحسين عربي من قبيلة خزاعة، وما دام قائد الجيش خزاعيا فمن الطبيعي أن تكون خزاعة ركنا من أركان القوة الضاربة في هذا الجيش.
وإلى ذلك يشير الشاعر دعبل الخزاعي حين هدد المأمون قائلا:
أني من القوم الذين سيوفهم * قتلت أخاك وشرفتك بمقعد وعلى هذا فالجند الخراسانيون الذين تعاظم دورهم واعتماد الخليفة عليهم هم عرب ومن خزاعة بالذات.
ثم يردف قوله هذا بهذا القول: وستظهر نتائج ذلك واضحة في تولية قادتهم آل طاهر وإطلاق يدهم في خراسان وجوارها امراء شبه مستقلين.
وقد عرف القارئ أن آل طاهر هم عرب خزاعيون فإذا صح أن المأمون أطلق يدهم في خراسان، فإنه يكون بذلك قد أطلق فيها يدا عربية أصيلة.
على أننا نحن ننكر أن تولية المأمون لآل طاهر كانت تولية استثنائية، وأنه أطلق يدهم امراء شبه مستقلين. ونقول أن الذي فعل ذلك هو غير المأمون وفي غير خراسان.
لقد فعل ذلك الرشيد حين ولى إبراهيم بن الأغلب على تونس على أن تكون الولاية وراثية في أعقابه، وعلى أن يكونوا أكثر من شبه مستقلين.
أما المأمون فلم يكن في نيته ابدا تولية طاهر بن الحسين على خراسان، بل أن ظرفا عاطفيا طارئا أدى إلى ذلك، وهذا ما ينفي ما ذكره الدكتور منيمنة في قوله: وسيتعاظم دور الجند الخراسانيين واعتماد الخليفة عليهم وستظهر نتائج ذلك واضحة في تولية قادتهم آل طاهر، إلى آخر ما قال:
أما سبب تولية طاهر بن الحسين فهو أنه دخل على المأمون وهو في مجلس انس وانشراح، فلما رآه المأمون بكى وتغرغرت عيناه. فاستغرب طاهر ذلك وسال المأمون لم يبك وقد دانت له البلاد وأذعن له العباد وصار إلى المحبة في كل أمره.
فقال المأمون: أبكي لأمر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن.
وانشغل بال طاهر لبكاء المأمون في غير ساعة بكاء، فأغرى أحد خواص المأمون بمبلغ من المال ليسأله عن سبب بكائه، واستطاع الرجل أن يسأل المأمون. فقال المأمون: أني ذكرت أخي محمدا الأمين وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة فاسترحت إلى الإفاضة، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره.
لقد قلق طاهر كل القلق لما جرى، فإذا كان المأمون قد اكتفى هذه المرة بمجرد البكاء لرؤية طاهر مذل أخيه وقاتله، فما يدريه ما يمكن أن يصيبه من المأمون في مرة أخرى، ألا يمكن أن تبلغ ثورة العاطفة في المأمون في مرة من المرات إلى الحد الذي يأمر فيه بقتل طاهر الذي تذكره رؤيته في كل مرة بذل أخيه وقتله؟ أليس من المريح للمأمون أن لا يرى طاهرا ابدا فيتخلص من الأشجان الذي تبعثها في نفسه مشاهدة طاهر، وقتل طاهر هو الذي يريح.
فذهب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد وقص عليه ما جرى، وقال له غيبني عن عيني المأمون.
فذهب أحمد إلى المأمون، فلما دخل عليه، قال: ما نمت البارحة...
فقال المأمون: ولم ويحك؟ فقال لأنك وليت غسان خراسان وهو ومن معه أكلة رأس وأخاف أن يخرج عليه خارجة من الترك فتصطلمه. فقال له: لقد فكرت فيما فكرت فيه، فمن ترى؟ قال: طاهر بن الحسين. وقد تردد المأمون وذلك وأبدى ما يخشاه من محاذيره في تولية طاهر.
وبعد حوار قصير دعا المأمون بطاهر من ساعته فعقد له على خراسان.
هذه هي قصة تولية طاهر بن الحسين التي وصفها الدكتور منيمنة بأنها تولية قادة الخراسانيين آل طاهر وإطلاق يدهم في خراسان إلى آخر ما قال.
ومن الطبيعي أن تتطور الأمور في زمن كان زمن التطورات المتعاقبة، وأن يأخذ التاريخ مسراه في التحول والتبدل.
البويهيون وقت يقرن الدكتور منيمنة حديثه عن عقيدة البويهيين مرة بكلمة احتمال ومرة بكلمة فالأرجح فيدل على التشكيك وعدم الجزم، يعود في النهاية فيجزم فيما لا يصح فيه الجزم. وعند ما قلنا أن ليس الملوك البويهيون هم الذين اخذوا بالمذهب الجعفري ليصح اتهامهم بأنهم كانوا على المذهب الزيدي، ثم انتقلوا إلى المذهب الجعفري تحقيقا لمآرب سياسية. بل أن الذين كانوا على هذا المذهب هم آباؤهم الأولون، وساروا هم على ما كان عليه آباؤهم.
عند ما قلنا ذلك حكم الدكتور منيمنة بان آباءهم لم يكونوا على الاسلام ليقال أنهم كانوا على مذهب من مذاهبه، ودليله على ذلك أن الاسلام لم يعم الديلم إلا على يد الأطروش 290 340 وأن الأرجح أن هذه الأسرة دخلت الاسلام على يد الأطروش.
ونقول: لماذا يكون هذا هو الأرجح، ولا يكون الأرجح أن آباء هذه الأسرة دخلوا الاسلام قبل السنة الثانية والعشرين للهجرة، وهو الزمن الذي ثبت أن الاسلام قد وصل فيه إلى تلك البلاد، وإذا كان تعميم الاسلام فيها قد تم على يد الأطروش، فلماذا لا يكون هؤلاء فيمن أسلم قبل عهد الأطروش؟، وحتى قبل السنة الثانية والعشرين؟
وأن كون مذهب دولة طبرستان زيديا لا يمنع أن يكون بين رعاياها من هو غير زيدي، بل نحن نعرف أسماء لعلماء غير زيديين نشأوا في ظلال تلك الدولة مثل: ابن هندو المكنى بأبي الفرج وأبي العباس بن سعد بن أحمد الطبري. وأبي هشام العلوي الطبري وغيرهم. هذا في العلماء وأما في جمهور الشعب فمن ذا يمكنه إحصاؤهم، ومنهم آباء الملوك البويهيين.
ويستدل بتقلباتهم السياسية على عدم استقرارهم المذهبي، ويعيب عليهم تلك التقلبات كأنهم وحدهم المتقلبون في السياسة، المنتقلون فيها من ولاء إلى