الجيش: بان تعداده كان 12 ألفا من أهل خراسان سوى الأعاجم.
ولن نكثر من الاستشهاد، بل نحيل القارئ للدلالة على عروبة زعماء خراسان على تاريخ الطبري وتاريخ اليعقوبي ومروج الذهب للمسعودي والكامل لابن الأثير. وعن القبائل العربية الخراسانية من تميم وربيعة واليمن على كتاب الوزراء للجهشياري، وعن احياء العرب في خراسان على كلمة لقتيبة بن مسلم في البيان والتبيين. وعن بني تميم في خراسان على كلمة خاطب بها الأحنف بن قيس قبيلته في البيان والتبيين نفسه. وعن ظعائن العرب تخرج من مرو إلى سمرقند بدون جواز على خطبة لقتيبة بن مسلم في العقد الفريد... إلى غير ذلك.
لقد كان العرب وقد نزلت قبائلهم في خراسان ينسبون إلى المدن المقيمين فيها، فهذا الكرماني وهو من أشهر رؤساء خراسان في أواخر عصر بني أمية منسوب إلى مدينة كرمان الخراسانية، وهو جديد بن علي شيخ قبائل الأزد وقد كان يقال له شيخ خراسان وفارسها وهو العربي القح الأصيل.
وهذا أبو الفرج الأصفهاني ينسب إلى أصفهان وهو العربي الأموي النسب.
وترى في كتاب فتوح البلدان للبلاذري ذكرا لخطط العرب ومنازلهم في خراسان وغير خراسان. وكثير من المؤرخين العرب يقولون عن فلان عربي خراساني، وأكثر ما ورد ذلك في رسالة الجاحظ المسماة مناقب الأتراك (1).
وهذا أبو مسلم يخاطب العرب الخراسانيين قائلا: أمرني الامام إبراهيم أن انزل في أهل اليمن وأتألف ربيعة ولا أدع نصيبي من صالحي مضر.
وهذا الإمام محمد العباسي يوصي رسوله قائلا: فإذا قدمت مرو فاحلل في اليمن وتألف ربيعة وتوق مضر وخذ نصيبك من ثقاتهم.
وقد حاول نصر بن سيار أن يفرق بين العرب من أنصار العباسيين فأشار إلى أحد قواده قائلا: ما أهون هؤلاء إن كفت عنهم اليمن وربيعة.
وعند ما يتحدث المنصور بعد قيام الدولة العباسية يؤكد أن اليمانيين كانوا عماد الثورة فيقول عنهم: فيحق لنا أن نعرف لهم حق نصرهم لنا وقيامهم بدعوتنا ونهوضهم بدولتنا.
إذن فالخراسانية في أقوال المؤرخين وغير المؤرخين لا تعني الفرس، بل تعني في الأصل سكان خراسان من العرب.
أما القول بان هؤلاء الخراسانية امتدت أيديهم إلى الأعمال والدواوين والولايات والجند فحوروها وأخذوها وتوارثوها، فقول يحتاج إلى إيضاح وتفسير. فنحن نريد أن نفهم ما المقصود بالتحوير والأخذ، وما الذي جرى في عهد المأمون مما لم يجر مثله في عهد الرشيد مثلا؟
أما عن التوريث للولايات فان كان المقصود ما جرى من الطاهريين فانا نقول بان ذلك لم يكن المسؤول عنه لا المأمون ولا الخراسانية. فان الرشيد ولي إبراهيم بن الأغلب على تونس على أن تكون الولاية مستمرة في عقبه، في حين أن المأمون ولي طاهرا بن الحسين كما يولي كل الولاة ولم يقطعه وأسرته خراسان، كما اقطع الرشيد ابن الأغلب تونس وإذا كانت الأمور قد تطورت بعد ذلك إلى ما تطورت إليه فذلك كان حكم التاريخ وإطراد سير الزمان.
ويقول الدكتور حسن منيمنة فيما يقول: فانقلب البدو مادة لكل الحركات الغالية من خارجية وقرمطية وزنجية ومتشيعة.
ولقد كنا نحب للدكتور منيمنة أن لا يغرق فيما غرق فيه بعض الناس في العصور المظلمة، بل حتى في هذا العصر، فيحشر من سماهم بالمتشيعة مع من ذكرهم وسماهم بالحركات الغالية ونسبهم إلى البدو.
أن من سماهم متشيعة لم يكونوا بدوا وليسوا من الحركات الغالية، وليسوا من صنف من ذكرهم معهم.
ويقول الدكتور منيمنة: وتوسل بعضها الآخر إلى الغرض نفسه بتنصيب دعاة علويين طالبيين بلورت دعواتهم حركات محلية وبرزت صبغتها المحلية في أفكارها وفقهها وفي طاقمها الحاكم من قادة حرب وقضاة وكتاب وعمال دواوين.
فاستتب الأمر لعبيد الله المهدي في إفريقيا وللحسن بن زيد في طبرستان.
ما دام الدكتور منيمنة قد خص بالذكر من سماه عبيد الله المهدي (2) والحسن بن زيد، فإننا لنستغرب كل الاستغراب أن يقول أن هناك من توسلوا لتنصيبهما، أن أحدا لم يتوسل لتنصيب واحد من هذين الاثنين، ولم يكن واحد منهما ألعوبة لأحد، بل أن كلا منهما كان هو صاحب دعوة صريحة سليمة نجحت على يد صاحبها وكان فيها كل الخير للعرب وللمسلمين.
أما أن الدعاة العلويين الطالبيين قد تبلورت دعواتهم بحركات محلية وأن تلك الحركات برزت صبغتها المحلية في أفكارها وفقهها إلى آخر ما ذكر فما دام قده خص بالذكر عبد الله المهدي والحسن بن زيد فان المقصود بكل ذلك هذين الاثنين.
من المؤلم أن يذكر الدكتور منيمنة قيام الدولة الفاطمية، وقيام دولة الحسن بن زيد في طبرستان بمثل هذه الخفة وبمثل هذا الازراء والتمييع.
لقد كان قيام الدولة الفاطمية حدثا ضخما في العالم الاسلامي استطاعت معه تلك الدولة أن تنهض بذلك العالم وأن تجمع شتاته المتمزق في بقاع من أخطر بقاعه، وأن تقف سدا منيعا في وجه الخطر الداهم الذي كان يهدده من الروم والإفرنج. وكان شمال إفريقيا هو المنطقة المعرضة أكثر من غيرها لذلك الخطر، وكانت متمزقة مقسومة إلى أربع دويلات هي: الأدارسة، والأغالبة، وبنو مدرار، والرستميون. فاستطاع الفاطميون أن يوحدوا ذلك الشتات وأن يجعلوا منه دولة واحدة متماسكة ضمت إلى تونس كلا من المغرب الأوسط الجزائر والمغرب الأقصى المملكة المغربية والمغرب الأدنى ليبيا، فتحقق يومذاك ما لا يزال العرب عاجزين عنه مما يسمونه وحدة المغرب العربي.
ثم خطوا الخطوة الثانية فضموا إلى هذه الوحدة القطر العربي الأكبر مصر، ثم بلاد الشام سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ثم الجزيرة العربية، ولم يبق خارجا عنها إلا العراق.
وتحقق لأول مرة في التاريخ بعد التشتت والتمزق والانفصال قيام الوحدة العربية ودولتها الكبرى التي استمرت ما يزيد على القرنين ونصف القرن.
ثم عجز العرب بعد زوال الدولة الفاطمية عن أن يحققوا مثل هذه