مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٥٨
الذي عرضه منافساه. وبذلك يكون الملوك الأيوبيون الثلاثة: الصالح أيوب والصالح إسماعيل والناصر داود قد أقروا مبدأ استيلاء الصليبيين على الحرم الشريف على حد تعبير بعض المؤرخين.
على أن الصليبيين اختاروا الوقوف إلى جانب الصالح إسماعيل صاحب دمشق لأنه أقرب إليهم من صابح مصر. وبالتالي فهو أكثر قدرة على التحكم في مصائرهم. فشرع الصالح إسماعيل في غزو مصر بمساعدة حليفيه الناصر داود صاحب الكرك والمنصور إبراهيم ملك حمص، مع الصليبيين، وتقرر أن تجتمع قوات الحلفاء جميعا عند غزة.
فاستنجد الصالح أيوب بالخوارزمية (1) فأنجدوه بعشرة آلاف منهم ساروا من إقليم الجزيرة فمروا بدمشق، ثم استولوا على طبرية ونابلس ثم القدس سنة 642 1644 م فعادت القدس نهائيا إلى المسلمين.
والعادل: أعاد للصليبيين سنة 1204 ما كان قد ورثه عن صلاح الدين من المواقع الساحلية، ما عدا الشقة المحصورة في اللاذقية.
هذا هو الجهاد المتواصل الذي أكمله من جاءوا بعد صلاح الدين من ورثته.
يقول هاشم الأيوبي عن مقالنا: أنه لا يحمل أية قيمة تاريخية أو علمية.
ونقول له ولا فخر أن كل العلم وكل التاريخ في هذا المقال. ذلك أنه استند إلى مصادر كبرى ووقائع معينة، حدد مكانها وزمانها، ما لم يستطع معه الأيوبي أن ينكر شيئا منها، بل عمد إلى مثل هذه التهويشات التي يلجأ إليها العاجزون حين تفحمهم الحقائق الناصعة، فلا يرون غير الشتائم ملاذا يعوذون به...
التهويشات التي لا تستطيع أن تجعل من الحق باطلا ومن الباطل حقا.
ومن أطرف الطرائف وأضحك المضحكات أن دليل الأيوبي على أن المقال لا يحمل قيمة علمية أو تاريخية، هو أني صرحت باني عمدت إلى أول كتاب وقع عليه نظري فتناولته.
نعم: أن أول كتاب وقع عليه نظري كان كتاب الأعلاق الخطيرة في امراء الشام والجزيرة لابن شداد، وحسب المقال ليكون حاملا للعلم والتاريخ أن يكون مستندا إلى ابن شداد صاحب الأعلاق الخطيرة.
وقد عمدت الآن مرة ثانية إلى أول كتاب وقع عليه نظري فكان كتاب الكامل لابن الأثير فإذا بي اقرأ فيه ما يلي:
كان المانع لصلاح الدين من غزو الفرنج الخوف من نور الدين، فإنه كان يعتقد أن نور الدين متى زال عن طريقه الفرنج أخذ البلاد منه فكان يحتمي بهم عليه ولا يؤثر استئصالهم، وكان نور الدين لا يرى إلا الجد في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو وعلم غرضه تجهز بالمسير إليه، فاتاه أمر الله الذي لا يرد.
ومع أن هذا الكلام واضح كل الوضوح، نحب أن نزيده لهاشم الأيوبي وضوحا فنقول: كان وضع مصر وبلاد الشام يومذاك يشبه الوضع الذي كانت عليه مصر وسورية أيام قيام الوحدة بينهما باسم الجمهورية العربية المتحدة. فكما أن كيان العدو اليهودي كان الفاصل بين سورية ومصر المتحدتين كان الكيان الصليبي يفصل بين مصر وبلاد الشام المتحدثين، والفرق بين الحالين: هو أن العاصمة أيام الصليبيين كانت دمشق، وأنها في أيام الصهاينة كانت القاهرة، فكان صلاح الدين معتبرا تابعا لنور الدين وواليا من ولاته. فقرر نور الدين استئصال الصليبيين بان يحصرهم بين جبهتين: جبهة مصر، وجبهة بلاد الشام، فيزحف هو من دمشق، ويزحف صلاح الدين من القاهرة فيضطر الصليبيون للقتال على جبهتين، لذلك أوعز إلى صلاح الدين أن يتقدم بالجيش المصري ليتقدم هو بالجيش الشامي، ولكن صلاح الدين رفض الامتثال لأوامر نور الدين، أي أنه أعلن إيقاف حال الحرب بين مصر والصليبيين والتاريخ كما يقال يعيد نفسه دائما.
وابن الأثير كان واضحا في تبيان السبب الذي دعا صلاح الدين لاخراج مصر من الحرب مع الصليبيين، ذلك أن الاحتلال الصليبي لفلسطين كان يعطي صلاح الدين انفصالا كاملا عن المملكة المتحدة، وتبقى تبعيته لها اسمية فقط، فإذا زال الكيان الصليبي من فلسطين تم الاتصال بين بلاد الشام سورية وفلسطين ولبنان والأردن وبين مصر وتصبح مملكة واحدة يكون لصلاح الدين المكان الثاني فيها بعد نور الدين، بل يصبح مجرد حاكم لمصر تابع فعليا لا إسميا لنور الدين، وهذا ما لا يرضي مطامع صلاح الدين الشخصية، لذلك آثر التمرد على نور الدين وإخراج مصر من الحرب المأمولة لاستئصال الصليبيين.
وغضب نور الدين لذلك، وصمم على التفرع لصلاح الدين أولا وتسليم حكم مصر لمن يعيد مصر إلى حال الحرب مع الصليبيين، ولما أعد عدته للزحف على مصر وإزاحة صلاح الدين فاجأه الموت.
وكما ساء هاشم الأيوبي مبادرتنا في المرة الأولى إلى أول كتاب وقع عليه نظرنا في خزانة الكتب فكان كتاب الأعلاق الخطيرة، فسيسوءه ولا شك إن كان أول كتاب وقع عليه نظرنا هذه المرة هو كتاب الكامل لابن الأثير، فيقول عن قولنا المعتمد على كتاب الكامل أنه قول لا يحمل قيمة علمية أو تاريخية.
ويوم يكون الكامل والأعلاق الخطيرة لا قيمة علمية أو تاريخية لهما، فإننا يسرنا أن نكون في زمرة ابن الأثير وابن شداد، وأن تكون لنا القيمة العلمية والتاريخية التي لهما.
ونرجو أن لا يضطرنا هاشم الأيوبي لأن نخرج من خزانة الكتب أول كتاب يقع عليه نظرنا للمرة الثالثة فنريه ما هو أدهى وأمر.
ورد مرة ثانية فأجبته بما يلي:
لقد كنا نحسب أننا ناقش بحثا تاريخيا محضا أدلينا منه بأحاديث دونتها أمهات كتب التاريخ، وكنا نفترض أن نلقى من يناقش هذه الأحاديث فيدحضها أو يثبتها، فإذا بنا أمام بؤرة سفاهة تعجز عن رد الحجة بالحجة ولا تستطيع نقض ما أبرمنا وإنكار ما أوردنا فتلجأ إلى ما تفيض به من سفاهة.
أما الدركة التي انحدر إليها في حديثه عن الأفاعي الشعوبية، فإننا أرفع رؤوسا وأكرم نفوسا وأشمخ أنوفا وأنصع صفحات وأروع وقفات من أن يصلى إلى كعوب أحذيتنا مثله من حشرات.
أما تعريضاته الأخرى التي جمجمت بها كلماته وتلجلجت فلن تروعنا في شئ.
وأما ما لجا إليه مما كان يلجأ إليه أمثاله في ماضي الأزمان من التهويل على المعتقدات ولمزها والتخويف بها، فإننا نقول له أنه ينسى أن الزمن تبدل وأننا نعيش الآن في أواخر القرن العشرين ويقصر معه لسانه عما كانت تطول به ألسنة الغابرين من سيئ القول وفحش الوصف وفظيع الشر.
لقد حددنا الوقائع وعينا زمانها ومكانها وكان يستطيع هذا الرجل أن ينهي

(1) هم من نزحوا عن بلادهم (خوارزم) بعد غزو وجنكيز فنزلوا العراق وحدود سوريا.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370