مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٦٣
الوحدة، ولا يزالون عاجزين.
وينبه المؤرخان المصريان الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور طه أحمد شرف في كتابهما المعز لدين الله إلى أمر مهم جدا، وهو: أن الفاطميين رفضوا أن يقيموا دولتهم في غير البلاد العربية ولم يفكروا في إقامة دولتهم المنشودة في غيرها برغم كثرة أشياعهم فيها وإنما عولوا على إقامتها في اليمن ولما استحال عليهم ذلك قصدوا المغرب فأقاموا دولتهم فيه.
ولسنا الآن في صدد تاريخ للدولة الفاطمية، وإنما نكتفي بالقول: أنهم بهذه الوحدة العربية الكبرى التي أقاموها استطاعوا التصدي للبيزنطيين في البر والبحر وردهم أولا عن شمال إفريقيا، ثم عن بلاد الشام وإحباط محاولتهم المتكررة للوصول إلى القدس مما ليس هنا مكان تفصيله.
ودولة بمثل هذا الشأن الخطير لا يصح لمؤرخ أن يذكرها كما قلنا بمثل هذه الخفة والازراء والتمييع.
ودولة طبرستان الطالبية العلوية الزيدية إذا لم يكن لها من الشأن ما كان للدولة الفاطمية فقد كان لها شان أي شان في ميدان عظيم، هو ميدان تعميم الاسلام في منطقة طبرستان (1). وبرغم وصول الفتح الاسلامي إليها ما قبل السنة الثانية والعشرين للهجرة إذ يستفاد مما ذكره الطبري واليعقوبي والبلاذري أنها في هذه السنة كانت تابعة للحكم الاسلامي، فليس ما يدل على استقرار المسلمين فيها، ولم يكن الأمر يعدو غارات تشن عليها، وظلت خاضعة عمليا لملوكها الذين كانوا ما بين مزدكي وزرداشي وعابد نار.
وفي سنة 250 هجرية استطاع الحسن بن زيد من أحفاد الحسن بن علي الملقب بالداعي الكبير أو الداعي الأول أن يستولي على طبرستان وذلك في خلافة المستعين العباسي وأن يقيم فيها دولة امتدت حوالي مائتي سنة كان من أكبر منجزاتها أنها أحالت تلك البلاد بلادا إسلامية خالصة.
أما القول عن هاتين الدولتين وعن رجالهما العلويين الطالبيين بأنهم بلورت دعواتهم حركات محلية وبرزت صبغتها المحلية في أفكارها وفقهها وفي طاقمها الحاكم من قادة حرب وقضاة وكتاب وعمال دواوين، فهو قول كنت إربا بالدكتور حسن منيمنة أن يقوله، فالعلويون الطالبيون في طبرستان هم الذين بلوروا طبرستان إسلاميا، وليست هي التي بلورت دعواتهم، وهم الذين صبغوها بصبغتهم الاسلامية وليست هي التي صبغتهم بصبغتها المحلية. وأكثر من ذلك، فقد غدت طبرستان بفضلهم مهبط العلماء ومقصد الشعراء تتجاوب في أنديتها أصداء الشعر العربي الأصيل كأي أندية عربية في العالم العربي.
وقصة الشاعر الأعمى أبي مقاتل، قصة مشهورة في كتب التاريخ السياسي والأدبي، وذلك أنه أنشد الداعي قصيدة مطلعها:
لا تقل بشرى ولكن بشريان * غرة الداعي ويوم المهرجان فقال له الداعي: أن الشعراء لا يبدأون الشعر بحرف النفي لا لئلا يتشاءم المستمع، ألم يكن الأحسن أن تقرأ هذا البيت بتقديم عجزه على صدره فتقول:
غرة الداعي ويوم المهرجان * لا تقل بشرى ولكن بشريان فقال أبو مقاتل: كلا يا مولاي، فان أحسن ما يذكر به الله يبتدئ ب‍ لا وهي كلمة لا إله إلا الله.
فقال الحسن: أحسنت، فأنت في هذا الأمر أكثر معرفة مني.
وقد حفل تاريخ طبرستان في تلك العهود بعدد كبير من اعلام الفقه واللغة والأدب لا يتسع المجال الآن للإشارة إلى بعضهم.
أما عن الدولة الفاطمية فيكفي أن أنقل جملة واحدة لمؤرخ مصري هو الدكتور محمد كامل حسين، وهي قوله: فالقاهرة الفاطمية أصبحت مطمح أنظار العلماء ومحط رحال الطلاب وفي العصر الفاطمي استطاعت مصر أن تنتزع زعامة العالم الاسلامي في الحياة العلمية.
ومن أعجب العجب حشر الدكتور منيمنة الفقه مع ما حشره من الشؤون التي أدعى اصطباغها بالصباغ المحلي.
وتلك زلة أنا على يقين بان الدكتور الحصيف سيحاسب نفسه عليها.
أما قادة الحرب والقضاة والكتاب وعمال الدواوين فليت المجال يتسع لنعدد له منهم ما ينفي قوله.
ويقول الدكتور منيمنة عن الحكام الشيعة في ذلك العصر كالحمدانيين والبويهيين: ولم يحمل التشيع هؤلاء المتشيعين على استخلاف أحد أهل البيت. ثم يعلل ذلك بالتعليل المنسوب إلى أحد الذين استشاره أحد الحكام في هذا الشأن.
والذي يعرف حقيقة العقيدة الشيعية في أمر الخلافة يدرك أن تلك القصة منحولة وأن تبني الدكتور منيمنة لها في غير محله. فالشيعة لم يعد لهم بعد السنة 260 هجرية مرشح للخلافة، وأصبحوا لا يهتمون بمن يتولاها، وسيان عندهم أن تولاها أحد ممن يتصلون بالنسب بال البيت أو لا. فإذا كان الحكام الذين ذكرهم لم يولوا الخلافة أحد ممن ينحدرون من آل البيت فليس ذلك للسبب الذي ذكره ونقله عن غيره، بل لأنه ليس في مذهبهم ما يحملهم على ذلك.
على أنه هو نفسه يذكر ذلك بعد قليل ويؤكده دون أن ينتبه للتناقض بين القولين.
ويستهين الدكتور منيمنة بعقيدة البويهيين ويرى أن اختيارهم لما اختاروه كان لمنافع دنيوية بحتة فيقول: واختاروا الامامية من فرق الشيعة لأن الزيدية تلزم أصحابها بتأمير واحد من أهل البيت ولا تقبل بغير ذلك.
بهذا القول يؤيد ما قلناه أنه ليس في مذهب البويهيين ما يوجب عليهم تأمير واحد من سلالة أهل البيت للخلافة. أما أنهم اختاروا ما اختاروه للسبب الذي ذكره فهو مخطئ في ذلك.
ليس عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد هم الذين اختاروا مذهب الإمامية، بل أن الذين كانوا على هذا المذهب هم آباؤهم الأولون الذين كانوا فقراء بسطاء لا يفكرون في ملك ولا سلطة. وهؤلاء الملوك الثلاثة نشأوا في بيتهم الفقير على هذه العقيدة وشبوا عليها ثم سادوا وهي في قلوبهم وعقولهم.
ومن أوهام الدكتور منيمنة وأوهام غيره أيضا قوله: وصبغ البويهيون

(1) هي القسم الشمالي من إيران تعرف اليوم بمازندران، بلاد جبلية وعرة المسالك، وقسم منها ساحلي يقع على شاطئ بحر مازندران الذي اشتهر باسم بحر الخزر.
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370