الوحدة، ولا يزالون عاجزين.
وينبه المؤرخان المصريان الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور طه أحمد شرف في كتابهما المعز لدين الله إلى أمر مهم جدا، وهو: أن الفاطميين رفضوا أن يقيموا دولتهم في غير البلاد العربية ولم يفكروا في إقامة دولتهم المنشودة في غيرها برغم كثرة أشياعهم فيها وإنما عولوا على إقامتها في اليمن ولما استحال عليهم ذلك قصدوا المغرب فأقاموا دولتهم فيه.
ولسنا الآن في صدد تاريخ للدولة الفاطمية، وإنما نكتفي بالقول: أنهم بهذه الوحدة العربية الكبرى التي أقاموها استطاعوا التصدي للبيزنطيين في البر والبحر وردهم أولا عن شمال إفريقيا، ثم عن بلاد الشام وإحباط محاولتهم المتكررة للوصول إلى القدس مما ليس هنا مكان تفصيله.
ودولة بمثل هذا الشأن الخطير لا يصح لمؤرخ أن يذكرها كما قلنا بمثل هذه الخفة والازراء والتمييع.
ودولة طبرستان الطالبية العلوية الزيدية إذا لم يكن لها من الشأن ما كان للدولة الفاطمية فقد كان لها شان أي شان في ميدان عظيم، هو ميدان تعميم الاسلام في منطقة طبرستان (1). وبرغم وصول الفتح الاسلامي إليها ما قبل السنة الثانية والعشرين للهجرة إذ يستفاد مما ذكره الطبري واليعقوبي والبلاذري أنها في هذه السنة كانت تابعة للحكم الاسلامي، فليس ما يدل على استقرار المسلمين فيها، ولم يكن الأمر يعدو غارات تشن عليها، وظلت خاضعة عمليا لملوكها الذين كانوا ما بين مزدكي وزرداشي وعابد نار.
وفي سنة 250 هجرية استطاع الحسن بن زيد من أحفاد الحسن بن علي الملقب بالداعي الكبير أو الداعي الأول أن يستولي على طبرستان وذلك في خلافة المستعين العباسي وأن يقيم فيها دولة امتدت حوالي مائتي سنة كان من أكبر منجزاتها أنها أحالت تلك البلاد بلادا إسلامية خالصة.
أما القول عن هاتين الدولتين وعن رجالهما العلويين الطالبيين بأنهم بلورت دعواتهم حركات محلية وبرزت صبغتها المحلية في أفكارها وفقهها وفي طاقمها الحاكم من قادة حرب وقضاة وكتاب وعمال دواوين، فهو قول كنت إربا بالدكتور حسن منيمنة أن يقوله، فالعلويون الطالبيون في طبرستان هم الذين بلوروا طبرستان إسلاميا، وليست هي التي بلورت دعواتهم، وهم الذين صبغوها بصبغتهم الاسلامية وليست هي التي صبغتهم بصبغتها المحلية. وأكثر من ذلك، فقد غدت طبرستان بفضلهم مهبط العلماء ومقصد الشعراء تتجاوب في أنديتها أصداء الشعر العربي الأصيل كأي أندية عربية في العالم العربي.
وقصة الشاعر الأعمى أبي مقاتل، قصة مشهورة في كتب التاريخ السياسي والأدبي، وذلك أنه أنشد الداعي قصيدة مطلعها:
لا تقل بشرى ولكن بشريان * غرة الداعي ويوم المهرجان فقال له الداعي: أن الشعراء لا يبدأون الشعر بحرف النفي لا لئلا يتشاءم المستمع، ألم يكن الأحسن أن تقرأ هذا البيت بتقديم عجزه على صدره فتقول:
غرة الداعي ويوم المهرجان * لا تقل بشرى ولكن بشريان فقال أبو مقاتل: كلا يا مولاي، فان أحسن ما يذكر به الله يبتدئ ب لا وهي كلمة لا إله إلا الله.
فقال الحسن: أحسنت، فأنت في هذا الأمر أكثر معرفة مني.
وقد حفل تاريخ طبرستان في تلك العهود بعدد كبير من اعلام الفقه واللغة والأدب لا يتسع المجال الآن للإشارة إلى بعضهم.
أما عن الدولة الفاطمية فيكفي أن أنقل جملة واحدة لمؤرخ مصري هو الدكتور محمد كامل حسين، وهي قوله: فالقاهرة الفاطمية أصبحت مطمح أنظار العلماء ومحط رحال الطلاب وفي العصر الفاطمي استطاعت مصر أن تنتزع زعامة العالم الاسلامي في الحياة العلمية.
ومن أعجب العجب حشر الدكتور منيمنة الفقه مع ما حشره من الشؤون التي أدعى اصطباغها بالصباغ المحلي.
وتلك زلة أنا على يقين بان الدكتور الحصيف سيحاسب نفسه عليها.
أما قادة الحرب والقضاة والكتاب وعمال الدواوين فليت المجال يتسع لنعدد له منهم ما ينفي قوله.
ويقول الدكتور منيمنة عن الحكام الشيعة في ذلك العصر كالحمدانيين والبويهيين: ولم يحمل التشيع هؤلاء المتشيعين على استخلاف أحد أهل البيت. ثم يعلل ذلك بالتعليل المنسوب إلى أحد الذين استشاره أحد الحكام في هذا الشأن.
والذي يعرف حقيقة العقيدة الشيعية في أمر الخلافة يدرك أن تلك القصة منحولة وأن تبني الدكتور منيمنة لها في غير محله. فالشيعة لم يعد لهم بعد السنة 260 هجرية مرشح للخلافة، وأصبحوا لا يهتمون بمن يتولاها، وسيان عندهم أن تولاها أحد ممن يتصلون بالنسب بال البيت أو لا. فإذا كان الحكام الذين ذكرهم لم يولوا الخلافة أحد ممن ينحدرون من آل البيت فليس ذلك للسبب الذي ذكره ونقله عن غيره، بل لأنه ليس في مذهبهم ما يحملهم على ذلك.
على أنه هو نفسه يذكر ذلك بعد قليل ويؤكده دون أن ينتبه للتناقض بين القولين.
ويستهين الدكتور منيمنة بعقيدة البويهيين ويرى أن اختيارهم لما اختاروه كان لمنافع دنيوية بحتة فيقول: واختاروا الامامية من فرق الشيعة لأن الزيدية تلزم أصحابها بتأمير واحد من أهل البيت ولا تقبل بغير ذلك.
بهذا القول يؤيد ما قلناه أنه ليس في مذهب البويهيين ما يوجب عليهم تأمير واحد من سلالة أهل البيت للخلافة. أما أنهم اختاروا ما اختاروه للسبب الذي ذكره فهو مخطئ في ذلك.
ليس عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد هم الذين اختاروا مذهب الإمامية، بل أن الذين كانوا على هذا المذهب هم آباؤهم الأولون الذين كانوا فقراء بسطاء لا يفكرون في ملك ولا سلطة. وهؤلاء الملوك الثلاثة نشأوا في بيتهم الفقير على هذه العقيدة وشبوا عليها ثم سادوا وهي في قلوبهم وعقولهم.
ومن أوهام الدكتور منيمنة وأوهام غيره أيضا قوله: وصبغ البويهيون