شيراز، بها قبر سعيد أخي الحسن بن أبي الحسن البصري، كان أصله منها (1).
وقد عني بجمع ديوان الشريف الرضي جماعة، وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الخبري (2).
ومما تقدم يبدو بوضوح: أن الخبري لم يكن بالجاهل الذي لا يميز الأصيل من المنحول، ولا بالغر الذي ينخدع بقول هذا أو ذاك، ولا يتفق مع الشريف في المذهب أو العاطفة حتى ينساق مذهبيا أو عاطفيا، وهو عند المترجمين له وكلهم ممن تثق بهم الأمومة، ويطمئن إليهم الاعلام الصدامي من الثقة والصدق والأمانة في المحل الذي يأبى عن الكذب والافتعال، ولم يبعد به الزمن عن عصر الشريف، حتى يحول بينهما عبث الأيام!
وأنا لا أملك صورة من الأصل الذي اعتمد عليه الدكتور، ولا النسخ التي جعلها مراجع لتحقيق الديوان، لكن اختلاف التعبير في تلك التعاليق من جهة، واختلاف الحجة فيها من جهة أخرى يدل على أنها ليست من جامع الديوان الخبري نفسه، بل هي كلها إما من النساخ أو القراء، لم يقلها الخبري، حتى الذي جاء في الأصل ونسخة ك منها. ولم يفصح الدكتور الحلو: أن ما جاء في الأصل أو ك إنما جاء في الهامش أم في المتن، كما أفصح فيما جاء في ي، وإن أحسنت الظن بالدكتور، أو بالأعلام الصدامي، فأرى أن هذا الابهام قد يكون متعمدا مقصودا، كي يوحي إلى القارئ أن التعليق إنما هو من صلب الديوان! ولي مما تقدم شواهد تؤكد لي حسن ظني هذا!
بل وإن كلام الدكتور نفسه عند ما بحث حول الزيادات التي أفردها الخبري، وتساءل: فما الذي صرف الرضي عنها فلم يذعها فيما أذاعه من شعره؟ ذكر أن الخبري قدم توجيها لها، ومدلول ذلك: أن الخبري نفسه كان جازما بصحة انتسابها إلى الرضي! وإن لم يقبل الدكتور بتوجيه الخبري في بعضها وفي المقدمة المقصورة الحسينية! التصدير 163 164 وهذا كله.
يدلنا دلالة قاطعة على أن هذه التعاليق ليست، ولا واحدة منها من الخبري نفسه!
ونعود إلى النقاط الثلاث التي قلت أنها هي الأساس للتشكيك أو النفي:
1 فالليونة التي قيل أنها توجد في المقصورة بما لا يتناسب وشعر الشريف، فقد قال عنها الدكتور الحلو نفسه:
أما بناء القصيدة فان وصف جميعه بالليونة أمر مبالغ فيه، ولكن بعض أبياتها لين لا يشبه شعر الرضي مثل قوله:
يا رسول الله فاطمة * يا أمير المؤمنين المرتضى كيف لم يستعجل الله لهم * بانقلاب الأرض أو رجم السما لو بسبطي قيصر أو هرقل * فعلوا فعل يزيد ما عدا وقوله:
ميت تبكي له فاطمة * وأبوها وعلي ذو العلا لو رسول الله يحيا بعده * قعد اليوم عليه للعزا (3) وأقول:
إن هؤلاء النقاد غفلوا أو تغافلوا عامدين عن أمر يختص به أدب الرثاء الحسيني، وهو: أن الرثاء الحسيني ينقسم إلى قسمين: رثاء فني أدبي، وهذا ما يشترك فيه الرثاء الحسيني وأي رثاء آخر ورثاء مأتمي شعبي. ولكل منهما خصائصه وميزاته، قد تجتمع وقد تفترق. وليست قصائد الشريف الأربع (4) شعر المآتم، وإن كانت رثاء أدبيا! ومن عاش المآتم الحسينية ومع الأسف أن الدكتور الحلو لم يعشها وإن حضرها لا أثق بأنه ينفعل نفسيا بها، والسر واضح علم أن شعر المأتم لا بد وأن يكون شعرا وصفيا مأساويا، يصف المأساة وصفا شعريا يمزج الحقيقة بالعاطفة، والواقع بالاحساس النفسي، كي يكسب في نفوس السامعين وهم عامة الناس، أي مختلف طبقاتهم، الأدباء وغير الأدباء، وذو الثقافة العالية، والسواد الأعظم الرقة والخشوع، ويستدر منهم الدموع، بل وأكثر من الدموع! ولا تكفي هنا الإشارة العابرة، والكناية الأدبية، واللغة الفنية.
ويكفي في هذا الرجوع إلى الدر النضيد تأليف سيدنا الأمين، رحمه الله، وإلى المقاطع التي حشى بها الشيخ ابن شهرآشوب كتابه مناقب آل أبي طالب والتي هي نماذج لأدب الرثاء يومذاك، ومنها مقصورة الشريف، دون غيرها من حسينياته.
ومن هذا أقول بكل تأكيد: إن الشريف لم ينظم حسينياته الأربع تلك كي تقرأ في المآتم، وينوح بها النائحون والنائحات، وهو من أعلم الناس بشعر المآتم، شعر دعبل، والعوني، والناشئ، وأضرابهم مما كان يناح به يومذاك، نعم، إن مقصورته تمتاز عنها بأنه قالها في كربلاء ويوم عاشوراء، وقالها ارتجالا، ومن المحتمل الراجح أنه قالها وهو يحضر المأتم هناك، وفي ذلك اليوم، ولا يمكن لأحد أن يلمس جو كربلاء، وجو عاشوراء، وجوهما معا إن اتفقا، وجو المأتم الحسيني، وخاصة إن كان يوم عاشوراء، وفي كربلاء، في الحائر الحسني، إلا إذا كان شيعيا حسينيا، وخاصة إن كان علويا نسبا وروحا كالشريف! فمقصورة الشريف شعر المأتم هناك، يومذاك، لا شعر المهرجانات أو المباريات الأدبية! شعر البكاء والدموع، لا شعر الاعجاب الأدبي، والمقدرة الفنية، شعر النوح واللطم، لا شعر أمسيات الشعر!
وهذا هو الفارق الأساس بين روح المقصورة وبين طابع حسينياته الأخرى، فطابعها أدبي فني، وطابع المقصورة حسيني، وهي فن شعري، والمقصورة ولاء حسيني، كربلائي عاشورائي!
وسم هذا ما شئت! سمه ليونة، أو سمه مطابقة لمقتضى الحال!