الذي يرد في كتاب الألفاظ المستعملة في المنطق، حيث لا مجال للقول بان المقصود هو كتاب التنبيه، لأن الأخير يخلو من ذلك تماما، فالمقصود إذن كتاب إحصاء العلوم.
يضاف إلى هذا أن الفارابي حين أشار إلى فكرة تقسيم العلوم وطرائق مناهجها الفلسفية في كتاب التنبيه على سبيل السعادة، جاءت إشارته مرسلة بدون تفصيل، لذا لم نجد لها تطبيقا عمليا إلا في كتابه إحصاء العلوم، فلا مشاحة إذن في القول إن كتاب إحصاء العلوم يأتي في الترتيب الزمني بعد كتاب التنبيه من ناحية التأليف.
ونعود إلى ما بدأنا به، لنقرر أن كتاب التنبيه على سبيل السعادة يتميز باستقلاليته عن منظومة كتب المنطق الفارابية، ونقترح في هذا المجال ضمه إلى مجموعة مؤلفات الفيلسوف الأخلاقية والسياسية والاجتماعية.
3 منهج التحقيق:
أحسبني على حق حين أؤكد هنا السبيل ذاته الذي سلكناه في تحقيقنا لكتاب تحصيل السعادة حيث انصب اهتمامنا على أمرين في منهجية التحقيق النقدي:
أولهما، الحرص الشديد على اختيار القراءات التي في تصورنا تعكس نحوا من القرابة مع النسخة الأم ومحاولة التغيير التي يستدعيها النص عند الضرورة لبعض كلماته التي قد تكون من هنات الناسخين، وما أكثرها خاصة في المخطوطات المتأخرة. متجاوزين طريقتهم في النسخ الخاطئ لبعض كلمات اللغة العربية التي ينبغي الأخذ بما هو متفق عليه منها، لأننا لسنا من دعاة الأخذ بطرائق النسخ القديم، كما فعل مثلا الأب بوييج اليسوعي في تحقيقاته لكتب ابن رشد ت 595 ه حيث نجد في الصفحة الواحدة: حتى، حتى... إلى، إلي... مبدأ، مبدأ... عصا، عصى...
وهكذا لأن الغرض من التحقيق في رأينا هو إيجاد وسيلة سليمة تقرب إلى روح النص بدلالته التي ترتفع أحيانا إلى حد المطابقة مع الأصل، دون الاخلال بالأمانة العلمية التي يفرضها الجهاز النقدي. وهذا بحد ذاته مما يجعل المحقق يعمل على اعتبار نسخة المؤلف مثلا خاضعة لهذا الجهاز أيضا، لأن المؤلف هنا من الناحية الشكلية ناسخ فحسب على أقل تقدير!...
فإذا دون لفظة حتى مع نقطتين تحت الألف المقصورة، أبحنا لأنفسنا إصلاحها، بشرط أن لا نغير من المضمون شيئا تلك هي الطريقة التي سلكناها، وللباحثين حرية الاختيار فيما يحققون!...
وثانيهما، إننا لم نعتمد نصا معينا من المخطوطتين، بل تم تحقيق النص على قاعدة التكامل بينهما، حيث يساعد بعضها بعضا في كشف الشكل الحقيقي الذي أراده الفيلسوف مع بذل البصيرة الاجتهادية، قدر المستطاع، في تنقية النص من الشوائب الأخرى.
وقد أجزنا لأنفسنا، في ضوء ما ذكرنا في أعلاه، أن نعيد المختصرات إلى أصولها في الرسم السليم للكلمة، فمثلا مح محال، ح حينئذ، فح فحينئذ، أيض أيضا، مط مطلوب، ظ ظاهرا، كك كذلك، يق يقال، ثلثه ثلاثة، مهية ماهية. وكذلك أصلحنا إملاء بعض الكلمات، فمثلا: مبدأ مبدأ، حياته حياته، الجزؤ الجزء، جزوية جزئية وأصلحنا أمر التنقيط، حيث يلتزم الناسخ خاصة في نسخة م بوضع النقطة أو النقطتين تحت الحرف، سواء كانت فاء أو تاء أو نونا ابتدائية أو وسطية دون مراعاة لقواعد الإملاء، مع الوقوع في أخطاء التأنيث والتذكير، وذلك حسب أمزجة الناسخين!...
وكذلك فان النسختين خالية من حركات الضم والفتح والكسر، وغير ملتزمة بقواطع النص، باستثناء النسخة المطبوعة في حيدرآباد. ومن هنا فان علامات الوقف وتقسيم النص إلى فقر هو من عملنا الخاص، وفي ضوء فهمنا للنص المحقق.
وقد اعتبرنا نشرة حيدرآباد لكتاب التنبيه على سبيل السعادة رقما ثالثا يضاف إلى المخطوطتين اللتين استعملتا في التحقيق، على الرغم من أن نشرة الهند مفتقرة إلى التحقيق العلمي الدقيق.
ومما تجدر الإشارة إليه أن كتاب التنبيه على سبيل السعادة ترجم إلى عدة لغات أجنبية كاللاتينية والألمانية والروسية والفارسية والتركية، ولا يخلو بعضها من التعليق والتحقيق.
وفي أدناه وصف للمخطوطتين، مع اجراء مقارنة بينهما، كما أوردناهما في تحقيقنا لكتاب تحصيل السعادة.
4 المخطوطتان:
أ نسخة المكتبة البريطانية المتحف البريطاني سابقا:
يقع كتاب التنبيه على سبيل السعادة ضمن المجموع المرقم 7518.
وتسلسله العاشر بين الرسائل الفارابية، ويبدأ من ورقة 125 ظ 136 و... ويحتوي المخطوط على الرسائل الفلسفية التالية:
1 مقالة في معاني العقل، تبدأ من ورقة 1 ظ 5 ظ.
2 مقالة في أغراض ما بعد الطبيعة، تبدأ من ورقة 6 و 10 ظ.
3 كتاب في مبادئ آراء أهل المدينة الفاضلة، يبدأ من ورقة 10 و 53 و.
4 كتاب فصوص الحكم، يبدأ من ورقة 53 ظ 62 ظ.
5 مقالة في الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو، تبدأ من 63 و 81 و.
6 رسالة فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم، تبدأ من ورقة 81 ظ 87 ظ.
7 كتاب تحصيل السعادة، يبدأ من ورقة 88 ظ 110 ظ.
8 في جواب مسائل سئل عنها، تبدأ من ورقة 111 و 122 و.
9 رسالة في إثبات المفارقات، تبدأ من ورقة 122 و 125 و.
10 كتاب التنبيه على سبيل السعادة، يبدأ من ورقة 125 ظ 136 و.
11 كتاب السياسة المدنية، يبدأ من ورقة 136 ظ 171 ظ.
ومجموع أوراق المخطوط يبلغ 171 ورقة، وحجمه 21. 12 سم 15. 3، 6 سم، ومسطرته 19 سطرا في الصفحة الواحدة.
وفي الرسالة الأخيرة السياسة المدنية وردت إشارة إلى تاريخ تدوينه على الشكل التالي: