يعجبه ذلك، فقال عن سارتون أنه أخطأ بظنه أن البيروني كان شيعيا معاديا للعرب والعروبة فقد كان بعكس ذلك!! ونحن لا ندري من أي شئ نعجب، أمن تصور الحمارنة بأنه مجرد أن ينفي حقيقة واقعية، فهي ستنتفي، أم من فهمه للتشيع هذا الفهم الحمارني وقوله عنه بأنه معاداة للعربية والعروبة!!
إننا نقول للحمارنة إن التشيع هو العربي الأصيل الذي نشأ في ظلال العرب وفي رعايتهم واستماتوا في حمايته والدفاع عنه، ولكن عرب التشيع الأصلاء في عروبتهم لا يفهمون العروبة نازية عنصرية اعتدائية تحتقر غيرها من الشعوب وتستعبدها ولا تحترم إسلامها ولا تراعي إيمانها، بل يفهمون العروبة حبا وتسامحا وتقديرا لغيرها من الشعوب التي تستحق التقدير.
وإذا كانت الأمثال العربية قد قالت بان لكل مسمى نصيبا من اسمه فلا شك بان رأي الحمارنة في التشيع هو من نصيبه في لقبه...
من أكثر العلماء المسلمين أصالة وإنتاجا في زمنه بلغة القرآن في العلوم والمعارف كان أبو الريحان البيروني 362 443 ه 973 1051 م (1) وهو معاصر الشيخ الرئيس ابن سينا بإيران والحسن بن الهيثم في العراق ومصر. ومن بين كتب البيروني في التاريخ الطبيعي اثنان في غاية الأهمية:
أولهما الصيدنة في الطب (2) والثاني كتاب الجماهر في معرفة الجواهر ألفهما في السنين الأخيرة في حياته فاحتويا على الكثير من غنى خبرته في العلوم الحياتية والبحتة والتقنية والاجتماعية (3). وفي هذه المقالة يهمنا كتابه هذا في الجواهر وبالذات مقدمته للكتاب الذي يعتبر من أهم تصانيفه وأكثرها أصالة (4) ويتبين من هذه المقدمة أن البيروني قد نسق مقالاته وأتمها زمن السلطان مودود بن مسعود بن محمود الغزنوي 432 441 ه 1040 1048 م وربما في مطلع ملكه حوالي سنة 1044 م وعمر المؤلف آنذاك سبعون عاما ونيف، ويقول فيها: نريد الآن نخوض في تعديد الجواهر والأعلاق النفيسة المذخورة في الخزائن ونفرد لها مقالة تتلوها ثانية في أثمان المثمنات وما يجانسها من الفلزات فكلاهما رضيعا لبان في بطن الأم وفرسا رهان في الزينة والنفع (5) ويكون مجموعها تذكرة لي في خزانة الملك الأجل المعظم شهاب الدولة أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود قرن الله بشبابه اغتباطا وزاد يده بالنصر تطاولا وانبساطا فإنه لما فوض لله تعالى أمره تولى إعزازه ونصره وحين نصب حب الله بين عينيه عفا عن من استغاث باسمه وأمن من استأمن بذكره وأخفى صدقاته بعد صلاته البادية ليفوز بما هو خير له في السر والعلانية. ثم إن النصوص والمقدمة نفسها تفيدنا بان تأليف الكتاب قد تم أيضا في مدينة غزنة حاضرة السلطنة في جمهورية أفغانستان اليوم (6).
يستهل المؤلف كتابه الجماهر في معرفة الجواهر في مقدمة مستفيضة تحتوي على فصلين قصيرين وافتتاحية ثم خمس عشرة ترويحة كأنها مراحل توقف للتفكير والتأمل الروحي والاستجمام الفكري والايحاء (7) وفي هذه المقدمة يستودع البيروني خلاصة تفكيره في أمور فلسفية وعلمية واقتصادية ودينية واجتماعية في غاية الأهمية والأصالة والروعة. وما هذه المقالة إلا محاولة متواضعة وجدية لتقييم ما أراده البيروني أو ما كان يجول بخاطره لنقله إلى القارئ من أفكار وآراء وتوجيهات من خلال مقدمة الكتاب والتي تثير في النفس تساؤلات عديدة نبينها ونشرحها باختصار بالطريقة التالية:
1 هل كانت المناقشات والأفكار والمبادئ التي خطتها يد الشيخ العالم أبي الريحان البيروني وهو يدب بخطى وئيدة إلى نهاية مسيرة هذه الحياة الدنيا أفكارا عابرة متفرقة وخواطر ثائرة أو شاردة لا تربط بينها أوصال ولا تنتظم منها رؤية واضحة أو توجيه جاد معين؟.