ولبس عباءة وتقر عيني * أحب إلي من لبس الشفوف (1) وذكر اللحياني (2) في نوادره: أرياح، وذلك شاذ مثل حوض وحياض.
فاما الريحان بالنون فحدثني ابن مجاهد (3) عن السمري (4) عن الفراء (5) قال: الريحان جمع روح مثل كوز وكيزان ونون ونينان يعني السمك.
والريح سبب لانزال القطر والودق والغيث اللواتي أسماها الله جل وعز رحمة فقال: وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته (6)، أي بين يدي المطر، والريح والمطر سببان لانزال الغيث وذهاب المحول ورفع الجدب ومحيا الخصب والحيا والحبا (7)، والخصب أمارة لقبول الله تبارك وتعالى أعمال عباده ألم تسمع قوله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا (8). (18) قال ابن خالويه: يقال أمددته في الخير ومددته في الشر، قال الله تبارك وتعالى: ويمدهم في طغيانهم يعمهون (9).
والعرب تقول: إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرضون (10)، يعني بالمؤتفكات الرياح لأنها تأفك الأرض أي تقشرها وتقلبها، وإنما سمي الكذب إفكا لأنه مقلوب عن الصدق. وإذا كان النشئ (11) يعني السحابة من قبل العين يعني من قبل القبلة ثم ألقحته الجنوب وأدرته الشمال وأنسبت به الصبا فذلك أجود ما يكون من المطر. وأمات الرياح، يعني أمهات الرياح، غير أن الأمات في البهائم والأمهات في الناس، أربع: الشمال وهي للروح والنسيم عند العرب، والجنوب للأمطار والأنداء، واللثق والغمق يعني (12) الندى والصبا لالقاح الأشجار، فاما قول الشاعر:
لعمري لئن ريح المودة أصبحت * شمالا لقد بدلت وهي جنوب (13) فان المتحابين إذا اجتمعا قيل ريحهما جنوب، وإذا تفرقا قيل ريحهما شمال، لأن الشمال تفرق السحاب والجنوب تجمع، قال الآخر (13) تمر الصبا صفحا بساكن ذي الغضا * وتصدع قلبي أن تهب جنوبها قريبة عهد بالحبيب وإنما * هوى كل نفس حيث حل حبيبها وقال الآخر:
يا ريح ويحك بلغي تسليما * من ليس يأتينا له تسليم مري به فتعلقي بثيابه * ليكون فيك من الحبيب نسيم والدبور العذاب والبلاء نعوذ بالله منهما، وأهون الدبور أن تكون عاصفا تقذي العين، فلذلك كان رسول الله ص إذا هبت الرياح يقول: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا (14) وتلك الأخرى وكل واحدة تأتي بنوع من الخير إلا كثيرا (15) فإنه ذم الشمال فقال:
وهبت بسفساف التراب عقيمها (16) أراد بالعقيم ههنا الشمال، ولذلك اختار أبو عمرو بن العلاء (17) وعاصم (18) إفراد كل ما في الكتاب الله عز وجل من ريح العذاب، وجمع كل ما كان من رياح الرحمة، وأنشد سيبويه: (19) وما له من مجد تليد وما له * من الريح فضل لا الجنوب ولا الصبا (20) يهجو رجلا أي ما له خير، فان قال قائل قد قال الله عز وجل:
ولسليمان الريح (21) فافرد. فالجواب عن ذلك أن سليمان سخر الله له الصبا فقط رخاء حيث أصاب (22) أي طيبة لينة حيث أراد فكانت تحمل سريره من كابل إلى قزوين في نصف يوم وهي مسرة شهر. وقال ص: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور (23). وأنشدني ابن عرفة نفطويه (24) لشاعر يمدح رسول الله ص:
له دعوة ميمونة ريحها الصبا * بها ينبت الله الحصيدة والإبا (25)