الآخرة من ليلة الأحد خرج إلى صحن القصر فقعد على كرسي وعليه ثياب بيض وطيلسان أسود فدخلنا عليه فقمنا بين يديه بالأعمدة قال فجاء كتلة الخادم فقال يا سيدي أبو حاتم يقرئك السلام ويقول يا سيدي وافيت للميعاد لحملك ولكني أرى ألا تخرج الليلة فانى رأيت في دجلة على الشط أمرا قد رابني وأخاف أن أغلب فتؤخذ من يدي أو تذهب نفسك ولكن أقم بمكانك حتى أرجع ثم أستعد ثم آتيك القابلة فأخرجك فان حوربت حاربت دونك ومعي عدتي قال فقال له محمد ارجع إليه فقل له لا تبرح فانى خارج إليك الساعة لا محالة ولست أقيم إلى غد قال وقلق وقال قد تفرق عنى الناس ومن على بابى من الموالى والحرس ولا آمن إن أصبحت وانتهى الخبر بتفريقهم إلى طاهر أن يدخل على فيأخذني ودعا بفرس له أدهم محذوف أغر محجل كان يسميه الزهري ثم دعا بابنيه فضمهما إليه وشمهما وقبلهما وقال أستودعكما الله ودمعت عيناه وجعل يمسح دموعه بكمه ثم قام فوثب على الفرس وخرجنا بين يديه إلى باب القصر حتى ركبنا دوابنا وبين يديه شمعة واحدة فلما صرنا إلى الطاقات مما يلي باب خراسان قال لي أبى يا محمد ابسط يدك عليه فانى أخاف أن يضربه إنسان بالسيف فان ضرب كان الضرب بك دونه قال فألقيت عنان فرسى بين معرفته وبسطت يدي عليه حتى انتهينا إلى باب خراسان فأمرنا به ففتح ثم خرجنا إلى المشرعة فإذا حراقة هرثمة فرقى إليها فجعل الفرس يتلكأ وينفر وضربه بالسوط وحمله عليها حتى ركبها في دجلة فنزل في الحراقة وأخذنا الفرس ورجعنا إلى المدينة فدخلناها وأمرنا بالباب فأغلق وسمعنا الواعية فصعدنا على القبة التي على الباب فوقفنا فيها نسمع الصوت * فذكر عن أحمد بن سلام صاحب المظالم أنه قال كنت فيمن ركب مع هرثمة من القواد في الحراقة فلما نزلها محمد قمنا على أرجلنا إعظاما وجثى هرثمة على ركبتيه وقال له يا سيدي ما أقدر على القيام لمكان النقرس الذي بي ثم احتضنه وصيره في حجره ثم جعل يقبل يديه ورجليه وعينيه ويقول يا سيدي ومولاي وابن سيدي ومولاي قال وجعل يتصفح وجوهنا قال ونظر إلى (6 - 7)
(٨١)