بعض أهلها على ألسن الأتراك أن المعتز لما أفضت إليه الخلافة وقلده الله القيام بأمر عباده في المشارق والمغارب والبر والبحر والبدو والحضر والسهل والجبل تألم بسوء اختيار أهل بغداد وفتنتهم فأمر المعتز بالله بإحضار جماعة ممن صفت أذهانهم ورقت طبائعهم ولطف ظنهم وصحت نحائزهم وجادت غرائزهم وكملت عقولهم بالمشورة فقال أمير المؤمنين أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقهم وغار شأوهم الهمج الطغام والأوغاد الذين لا مسكة بهم ولا اختيار لهم ولا تمييز معهم قد زين لهم تقحم الخطا سوء أعمالهم فهم الأقلون وإن كثروا والمذمومون إن ذكروا وقد علمت أنه لا يصلح لقود الجيوش وسد الثغور وإبرام الأمور وتدبير الأقاليم إلا رجل قد تكاملت فيه خلال أربع حزم يقيف به عند موارد الأمور حقائق مصادرها وعلم يحجزه عن التهور والتغرير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتها وشجاعة لا ينقصها الملمات مع تواتر حوائجها وجود يهون به تبذير جلائل الأموال عند سؤالها وأما الثلاث فسرعة مكافأة الاحسان إلى صالح الأعوان وثقل الوطأة على أهل الزيغ والعدوان والاستعداد للحوادث إذ لا تؤمن نوائب الزمان وأما الاثنتان فإسقاط الحاجب عن الرعية والحكم بين القوى والضعيف بالسوية وأما الواحدة فالتيقظ في الأمور مع عدم تأخير عمل اليوم لغد فما ترون وقد اخترت رجالا لهم من موالى أحدهم شديد الشكيمة ماضي العزيمة لا تبطره السراء ولا تدهشه الضراء لا يهاب ما وراءه ولا يهوله ما تلقاءه وهو كالحريش في أصل السلام إن حرك حمل وان نهش قتل عدته عتيدة ونقمته شديدة يلقى الجيش في النفر القليل العدد بقلب أشد من الحديد طالب للثأر لا يفله العساكر باسل البأس مقتضب الأنفاس لا يعوذه ما طلب ولا يفوته من هرب وارى الزناد مطلع العماد لا يشرهه الرغائب ولا يعجزه النوائب إن ولى كفى وان وعد وفى وان نازل فبطل وان قال فعل ظله لوليه ظليل وبأسه في الهياج عليه دليل يفوق من ساماه ويعجز من ناواه ويتعب من جاراه وينعش من والاه فقام إليه رجل من القوم فقال قد جمع الله لك يا أمير المؤمنين
(٥٠٨)