أمانيهم وجعل عواقبها حسرات عليهم استنهضوا جيشا من سامرا من الأتراك والمغاربة في العتاد والعدة والجلد والأسلحة في الجانب الغربي طالبين المعرة ومؤملين أن ينالوا نيلا من أهله باشتغال إخوانهم في الجانب الشرقي بأعدائهم وقد كان مخمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين شحن الجانبين جميعا بالرجال والعدة ووكل بكل ناحية من يقوم بحفظها وحراستها ويكف عن الرعية بوائق أعدائهم ووكل بكل باب من الأبواب قائدا في جمع كثيف ورتب على السور من يراعيه في الليل والنهار وبث الرجال ليعرف أخبار أعداء الله في حركاتهم ونهوضهم ومقامهم وتصرفهم فيعامل كل حال لهم بحال يفت الله في أعضادهم بها فلما كان يوم الأربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر وافى الجيش الذي أنهضوه من الجانب الغربي الباب المعروف بباب قطربل فوقفوا بإزاء الناكثين المعسكرين بالجانب الشرقي من دجلة في عدد لا يسعه الا الفضاء ولا يحمله الا المجال الفسيح وقد تواعدوا أن يكون دنوهم من الأبواب معا لشغل الأولياء بحربهم من الجهات فيضعفوا عنهم ويغلبوا حقهم بباطلهم أملا كادهم الله فيه غير صادق وظنا خائبا لله فيه قضاء نافذ وأنهض محمد بن عبد الله نحوهم محمد بن أبي عون وبندار بن موسى الطبري مولى أمير المؤمنين وعبد الله بن نصر بن حمزة من باب قطربل وأمرهم بتقوى الله وطاعته والاتباع لامره والتصرف مع كتابه والتوقف عن الحرب حتى يسبق التذكرة والاسماع وينزل الحجة بالتتابع منهم والإصرار فنفذوا في جمع يقابل جمعهم مستبصرين في حق الله عليهم مسارعين إلى لقاء عدوهم محتسبين خطاهم ومسيرهم واثقين بالثواب الآجل والجزاء العاجل فتلقاهم ومن معهم أعداء الله قد أطلقوا نحوهم أعنتهم وأشرعوا لنحورهم أسنتهم لا يشكون أنهم نهزة المختلس وغنيمة المنتهب فنادوهم بالموعظة نداء مسمعا فمجتها أسماعهم وعميت عنها أبصارهم وصدقهم أولياء الله في لقائهم بقلوب مستجمعة لهم وعلم بأن الله لا يخلف وعده فيهم فجالت الخيل بهم جولة وعاودت كرة بعد كرة عليهم طعنا بالرماح وضربا بالسيوف ورشقا بالسهام فلما مسهم ألم جراحها وكلمتهم الحرب بأنيابها ودارت
(٤٥٤)