إني ورثت مالا، وقد علمت أن صاحبه كان يربي وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل الحجاز فذكروا أنه لا يحل أكله، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعرف منه شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه ربا فخذ رأس مالك ودع ما سواه وإن كان المال مختلطا فكله هنيئا مريئا، فإن المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وضع ما مضى من الربا، فمن جهله وسعه أكله، فإذا عرفه حرم أكله، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على آكل الربا " لكن لا يخفى عليك أن ما في جملة من هذه النصوص لا يطابق القول بالعفو مع الجهل مطلقا.
نعم ظاهرها منطبق على المحكي عن ابن الجنيد قال " من اشتبه عليه من الربا لم يكن له أن يقوم عليه إلا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال، فإن قلد فيه غيره، أو استدل فأخطأ، ثم تبين له أن ذلك ربا لا تحل له، فإن كان معروفا رده على صاحبه، وتاب إلى الله، وإن اختلط بماله حتى لا يعرفه أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان يربي، ولا يعلم الربا بعينه فيعزله، جاز له أكله والتصرف فيه، إذا لم يعلم فيه الربا.
اللهم إلا أن يدعي ظهور صحيح الحلبي منها المشتمل على تعليل حل أكل الربا المختلط بوضع الرسول صلى الله عليه وآله ما مضى منه، في أن المراد بما مضى نفس الربا في حالة الجهل مطلقا، ومنه حينئذ يظهر صحة تفسير الآية بما عرفت، كما هو أيضا ظاهرها.
وبالجملة فيحمل الأمر بالرد حينئذ مع التميز والعزل لذلك على الاستحباب، وأما الجمع - بحمل الأمر على ظاهره، وتقييد الأدلة المتقدمة الدالة على إطلاق الإباحة بصورة الخلط - فيدفعه عدم التكافؤ بسبب الكثرة والاعتضاد بفتوى من عرفت، مضافا إلى ظهور سياق المعتبرة في عموم الإباحة حتى لصورة التمييز والمعرفة، فلا ريب حينئذ في أولوية صرف الأمر عن ظاهره إلى الاستحباب من ذلك هذا.
ولكن لا يخفى أنه لا يصلح للفقيه الجرأة بمثل هذه النصوص التي لا يخفى عليك اضطرابها في الجملة، وترك الاستفصال فيها عن الربا أن صاحبه كان جاهلا بحرمته أو عالما،