بخلاف الثاني، لكن ملاحظة نصوص المقام وكلمات الأصحاب تشرف الفقيه على القطع بعدم اعتبار حيثية الفضلة هنا وتبعيتها في العفو للدم، فلا ينبغي الاطناب في تكثير السؤال والجواب.
نعم قد يتجه اعتبار الحيثية في نحو دم نجس العين لحصول نجاسة معه غير نجاسة الدم، ومن المعلوم أن العفو إنما هو عن الدم من حيث أنه دم، ومع أن المشهور كما في المنتهى عدم اعتبارها أيضا، بل لعله ظاهر جميع الأصحاب عدا من علم خلافه، بل كاد يكون صريح اقتصارهم على استثناء الثلاثة، بل في السرائر بعد أن حكى عن الراوندي ما سمعت " وهذا خطأ وزلل عظيم فاحش، لأن هذا هدم وخرق لاجماع أصحابنا ".
قلت: بل لعله الأقوى في النظر، لاطلاق الأدلة بل عمومها المستلزم عرفا لاضمحلال مثل هذه الحيثية التي هي من لوازم هذا الدم، وإن قلنا بملاحظتها في العارضة له، كملاقاة محل الدم من الثوب مثلا لبول ونحوه.
ودعوى انصرافها إلى غيره لندرة إصابته ممنوعة، لعدم مدخلية ندرة الإصابة في صدق اسم الدم وشموله، والمعتبر هو لا هي، بل قد يدعي اضمحلال الحيثية أيضا فيما لو لاقي الدم قبل إصابته نجاسة استهلكها ثم أصاب، لعدم صدق النجاسة بغير الدم، فلا يجري على المتنجس به غير أحكامه، كعدم قابلية الدم للنجاسة بها استصحابا لحاله السابق السالم عن المعارض، ضرورة عدم تناول ما دل على نجاسة الملاقي للنجاسة لمثله.
فما في المختلف مشنعا على الحلي بأنه شنع على القطب بغير الحق في غير محله، نعم قد يتوجه عليه أنه مناف لما ذكره في باب نزح الآبار من ملاحظة نحو هذا الاعتبار حيث فرق بين موت الانسان في البئر بين المسلم والكافر لهذه الحيثية، وقد أنكرنا وأنكروا عليه هناك ذلك، فالعجب من إقراره هنا وإنكاره هناك، كالعجب من إقرار غيره هناك وإنكاره هنا، فتأمل جيدا، والله أعلم.