وقد أوضح قبل الدخول في أصل المبحث المقصود بالتقدم الرتبي بالطبع، ببيان: ان ملاك التقدم والتأخر بالطبع هو أن يكون لاحد الشيئين وجود الا وللاخر وجود ولا عكس، بمعنى انه يمكن فرض وجود الاخر بدون وجود ذلك الشئ كالواحد والكثير فإنه لا يمكن ان يفرض للكثير وجود الا ويكون للواحد وجود، مع أنه يمكن ان يوجد الواحد بدون وجود الكثير، فالمتقدم هو الواحد والمتأخر هو الكثير.
ثم ذكر ان منشأ هذا التقدم أحد أمور أربعة:
الأول: أن يكون الشئ المتقدم عن علل قوام الاخر كالجزء والكل، فان الكل يتقوم باجزائه، ولذا لا يمكن ان يفرض له وجود الا ويكون لاجزائه وجود، مع أنه يمكن ان يفرض لجزئه وجود بلا أن يكون له وجود.
الثاني: أن يكون المتقدم مؤثرا في المتأخر كالمقتضي والمقتضى.
الثالث: أن يكون المتقدم مصححا لفاعلية الفاعل وهو المعبر عنه بالشرط.
الرابع: أن يكون المتقدم متمما لقابلية القابل، وهو المعبر عنه بعدم المانع أو الشرط العدمي، كعدم الرطوبة المتمم لقابلية المحل للاحتراق.
وبعد هذا البيان أفاد: ان عدم الضد متقدم بالطبع على الضد الاخر، لأنه لا يمكن ان يفرض للضد وجود الا ويكون الضد الاخر غير موجود، بخلاف العكس فإنه يمكن أن يكون أحد الضدين غير موجود وليس للاخر وجود، لامكان عدم كلا الضدين، فمثلا لا يمكن فرض السواد الا ويثبت عدم البياض، ولكن يمكن ان يفرض عدم البياض من دون ثبوت السواد.
ومنشأ التقدم الطبعي لعدم الضد على الضد الاخر هو: كون عدم الضد متمما لقابلية المحل لعروض الضد الاخر عليه، إذ بدونه لا يكون المحل قابلا، فلا يكون المحل قابلا للبياض إلا في صورة عدم السواد.