واما الثاني: فلان ما ذكره وان كان له صورة برهان وتحقيق، لكنه يتنافى مع البداهة، وذلك لان عدم العدم اما أن يكون صرف مفهوم لا واقع له أصلا أو يكون له واقع. فإن كان صرف مفهوم لا واقع له أصلا، فهو لا يصلح للتأثير في عدم المعلوم، إذ المفهوم ليس له قابلية التأثير والسببية، بل ذلك من شأن الوجودات. وان كان له واقع، فلا بد من فرضه هو الوجود، والا للزم ان يفرض واقع ثالث غير واقع المتناقضين وهما الوجود والعدم، وهذا مما يحيله الوجدان والبرهان، إذ ليس هناك واقع ثالث ليس هو بواقع لاحد المتناقضين.
وهذا مضافا إلى أن مقدمية عدم المانع ليست من جهة ان له نحو تأثير في المعلول أو في قابلية المحل لعروض المعلول، بل انما هو لاجل ارتفاع ما يكون سببا في عدم قابلية المحل ومنشئا لمنع تأثير المقتضي في مقتضاه، فليس لعدم الرطوبة خصوصية الا كونه ارتفاعا لما يكون موجبا لحجز النار عن التأثير والوقوف في قبال تأثيرها في الاحتراق لسلبه قابلية المحل له.
فعلى هذا يكون فرض عدم الضد من المقدمات مساوقا لفرض نفس الضد مانعا عن التأثير وسببا في عدم تأثير المقتضي، لان مرجع مقدمية عدم الشئ ليس إلا إلى مانعية نفس ذلك الشئ.
وعليه، فلا نحتاج في اثبات الدور إلى أن نقول إن عدم العدم هو نفس الوجود، فيكون هو المانع، بل نفس فرض مقدمية عدم الضد مساوق لفرض مانعية نفس الضد، فيلزم الدور. وهذا هو الذي ينظر إليه صاحب الكفاية في كلامه في تقريب اشكال الدور.
وخلاصة الكلام: ان ما افاده المحقق الأصفهاني في المقام لا يمكن الالتزام به، فيتعين القول بإنكار المقدمية. كما اعترف (قدس سره) أخيرا بعدمها وقرب انكارها.
وهذا كله بالنسبة إلى اشكال الدور.