وقد ذهب صاحب الكفاية إلى وجوب المقدمة، واستشهد على ذلك بالوجدان، فإنه يشهد على أن من أراد شيئا أراد مقدماته، واستشهد على هذا المعنى بوجود الأوامر الغيرية في الشرع والعرف، كما يقول المولى لعبده: " ادخل السوق اشتر اللحم " فان الامر بدخول السوق على حد الامر بشراء اللحم، فيكون امرا مولويا. ومن الواضح انه لا خصوصية لهذه المقدمة، بل باعتبار وجود الملاك فيها، وليس إلا المقدمية والتوقف. فيكشف ذلك عن وجوب جميع المقدمات بالوجوب المولوي الغيري. ثم تعرض (قدس سره) إلى ذكر دليل الحسن البصري على وجوب المقدمة الذي هو كالأصل لأدلة القوم - كما ذكر (قدس سره) -، وناقشه بعد اصلاحه بتعيين المراد من بعض اصطلاحاته (1).
ولكن الحق عدم وجوب المقدمة، إذ الوجدان لا يشهد بذلك، كما أن ما استشهد به من الأوامر العرفية المتعلقة بالمقدمة لا يصلح للشهادة على ما يحكم به الوجدان، إذ ليست هذه الأوامر أوامر مولوية، بل هي ارشادية، وذلك لان الامر المولوي انما يجعل لجعل الداعي في نفس المكلف إلى العمل وتحريكه نحوه، والامر الغيري لا صلاحية له لذلك كما تقدم بيان ذلك. فان العبد ان كان بصدد امتثال امر ذي المقدمة جاء بالمقدمة كان هناك أمر بها أو لم يكن، وإن لم يكن بصدد امتثاله لم يكن الامر الغيري داعيا للاتيان بها بما هو أمر غيري، فلا صلاحية للامر الغيري للدعوة والتحريك، فلا بد ان تكون هذه الأوامر المفروض تعلقها بالمقدمة أوامر إرشادية تتكفل الارشاد إلى مقدمية الشئ وتوقف الواجب عليه.
وخلاصة الكلام: انه لم يثبت لدينا وجوب المقدمة لعدم الدليل عليه. ولو ثبت فهو يشمل مطلق المقدمات الموصلة وغيرها والسبب التوليدي وغيره.