اما الوجه الأول: فلانه وإن لم يقم دليل خارجي على استحباب التيمم في نفسه، الا ان الاجماع القائم على لزوم التعبد به مع عدم تعلق غير الامر الغيري به، إذا كان بنحو يصح الاعتماد عليه ودليلا على ما قام عليه كان بنفسه كاشفا عن استحبابه في نفسه، إذ ذلك يلازم لزوم الاتيان به عبادة، لان لا طريق إلى ذلك غير هذا الوجه. وإذا لم يكن بنحو يصح الاستناد إليه لم يكن وجه للالتزام بلزوم الاتيان بالتيمم بنحو العبادية، إذ لا وجه له غير الاجماع والمفروض انه غير صالح للنهوض على اثبات ما قام عليه.
واما الوجه الثاني: فلان الاستحباب وان كان يندك بالوجوب الغيري، الا ان المرتفع هو الامر والإرادة بحدها، لاستلزام بقائه اجتماع المثلين، اما واقع الإرادة الاستحبابية وذاتها فهي لا ترتفع بالوجوب الغيري، بل تتداخل الإرادتان وتنشأ منهما إرادة واحدة مؤكدة كتداخل النورين، وذلك يكفي في امكان الاتيان به بنحو العبادة وفي تحقق التقرب كما سيتضح.
واما الوجه الثالث: فلوجود الفرق بين الطهارات ومثل الصلاة الظهر والصوم للاعتكاف بحيث يصح قصد الامر الغيري في الطهارات ولا يصح في مثل صلاة الظهر، فلنا دعويان:
إحداهما: صحة قصد الامر الغيري في الطهارات وتحقق التقرب بذلك.
وثانيتهما: عدم صحة قصد الامر الغيري في مثل صلاة الظهر مما يكون واجبا نفسيا.
وتقريب الأولى: ان الطهارات وان كانت مستحبة في ذاتها، الا أنها إذا كانت مقدمة لا تكون موردا إلا للامر الغيري، سواء قلنا بان الامر الغيري عبارة عن الإرادة الشديدة التبعية أو أنه عبارة حكم مجعول، كما يقال في مثل: " أدخل السوق واشتر اللحم ".