وأنت قد أحطت خبرا بما في تقريبه، ولا زائد عليه.
ثانيها: المراجعة إلى الأوامر العرفية، ومراعاة الجهة المقتضية للأمر - من الاحتياج إلى المأمور به في الموارد الكثيرة - تعطي الظهور الثانوي العرفي في الفورية. ولو كان المولى في مقام البعث إلى الطبيعة فقط دون فوريتها، لما كان وجه معتد به في المبادرة إلى الأمر، فإن عند ذلك يعلم: أن الغرض فوري.
فزمان الأمر يورث ظهوره في الفورية، دون الهيئة والمادة، ولذلك إذا قال المولى لعبده: " أكرم زيدا، واضرب عمرا " وترك ذلك إلى زمان، معتذرا بعدم دال على الفورية، فله المؤاخذة، وهذا هو المتعارف فعلا بين الموالي والعبيد.
أقول: كنت في سالف الزمان نؤيد هذه المقالة، ظنا أن الأوامر المتعارفة بين العباد والموالي، مبنية على الفور، كما هي مبنية على الوجوب. ولكن الذي يظهر لي أن سر ذلك أمران:
أحدهما: تصدي المولى للأمر عند الحاجة إلى المأمور به.
ثانيهما: أن المولى العرفي يصاحب عبده، فلا وجه للمبادرة إلى الأمر.
وعند انتفاء ذلك فلا دليل على الفورية، ولذلك إذا كان يريد السفر فيصدر الأوامر، فإنها ليست على الفور، والأمر في القوانين الكلية الإلهية مثله.
مع عدم احتياجه إلى المأمور به، فالمقايسة بين الأوامر العرفية والأوامر الواقعة في الشريعة في غير محلها، كالقياس بين التكوين والتشريع، فما ترى من العلامة المحشي الإيرواني هنا (1) غير سديد، فلو ورد الأمر بالصلاة عند الكسوف والخسوف والزلزلة وهكذا، فلا ظهور له في الفورية العرفية.
ثالثها: أن إطلاق الأمر كما يقتضي الوجوب والنفسية، يقتضي الفورية، لتعارف ذكر التراخي بالقيود الوجودية، فإذا كان الكلام فاقدا لها فيستفاد منه