تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم " وقال " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون " وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " الآية وقوله " وأن الله عنده أجر عظيم " أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد فإنه قد يوجد منهم عدو وأكثرهم لا يغني عنك شيئا والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة. وفي الأثر يقول الله تعالى " يا ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شئ وإن فتك فاتك كل شئ وأنا أحب إليك من كل شئ " وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ". بل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على الأولاد والأموال والنفوس كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين ".
يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم (29) قال ابن عباس والسدي ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد " فرقانا " مخرجا زاد مجاهد في الدنيا والآخرة وفي رواية عن ابن عباس " فرقانا " نجاة وفي رواية عنه نصرا وقال محمد بن إسحاق " فرقانا " أي فصلا بين الحق والباطل وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم وهو يستلزم ذلك كله فان من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وفق لمعرفة الحق من الباطل فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة وتكفير ذنوبه وهو محوها وغفرها سترها عن الناس وسببا لنيل ثواب الله الجزيل كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ".
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (30) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة " ليثبتوك " ليقيدوك وقال عطاء وابن زيد: ليحبسوك وقال السدي الاثبات هو الحبس والوثاق وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء وهو مجمع الأقوال وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: " يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني ". فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: " ربي " قال: نعم الرب ربك استوص به خيرا قال " أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي " وقال أبو جعفر ابن جرير حدثني محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي أخبرنا عبد الحميد بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يأتمر بك قومك؟ قال " يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني " فقال من أخبرك بهذا؟ قال " ربي " قال نعم الرب ربك فاستوص به خيرا قال " أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي " قال فنزلت " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك " الآية. وذكر أبي طالب في هذا غريب جدا بل منكر لأن هذه الآية مدنية ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الاثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي