عباد بن يوسف عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنزل الله علي أمانين لامتي " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة ". ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ". ثم قال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا راشد هو ابن سعد حدثني معاوية بن سعد التجيبي عمن حدثه عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل ".
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون (34) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (35) يخبر تعالى أنهم أهل لان يعذبهم ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم وأسر سراتهم وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد وقال قتادة والسدي وغيرهما لم يكن القوم يستغفرون ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا واختاره ابن جرير فلولا ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لوقع بهم البأس الذي لا يرد ولكن دفع عنهم بسبب أولئك كما قال تعالى في يوم الحديبية " الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ". قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " قال فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأنزل الله " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " قال وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها مستضعفين يعني بمكة " يستغفرون " فلما خرجوا أنزل الله " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه " قال فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم وروى عن ابن عباس وأبي مالك والضحاك وغير واحد نحو هذا وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " على أن يكون المراد صدور الاستغفار منهم أنفسهم قال ابن جرير:
حدثنا ابن حميد ثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في الأنفال " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " فنسختها الآية التي تليها " وما لهم ألا يعذبهم الله " - إلى قوله - " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " فقاتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نميلة يحيى بن واضح. وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ثم استثنى أهل الشرك فقال " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " وقوله " وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي وكيف لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به ولهذا قال " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون " أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قال تعالى " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى