وقوله تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام " هي: الإبل والبقر والغنم قاله: أبو الحسن وقتادة وغير واحد قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب وقد استدل ابن عمر وابن عباس وغير واحد بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميتا في بطن أمه إذا ذبحت وقد ورد في ذلك حديث في السنن رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من طريق مجالد عن أبي الوداك جبير بن نوفل عن أبي سعيد قال: قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال: " كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " وقال الترمذي: حديث حسن قال أبو داود حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عتاب بن بشير حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " تفرد به أبو داود وقوله " إلا ما يتلى عليكم " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وقال قتادة: يعني بذلك الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه والظاهر والله أعلم أن المراد بذلك قوله " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع " فإن هذه وإن كانت من الانعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض ولهذا قال " إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب " يعني منها فإنه حرام لا يمكن إستدراكه وتلاحقه ولهذا قال تعالى " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " أي إلا ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال وقوله تعالى " غير محلي الصيد وأنتم حرم " قال بعضهم هذا منصوب على الحال والمراد بالانعام ما يعم الانسي من الإبل والبقر والغنم وما يعم الوحشي كالظباء والبقر والحمر فاستثنى من الانسي ما تقدم واستثنى من الوحشي الصيد في حال الاحرام وقيل المراد أحللنا لكم الانعام إلا ما استثني منها لمن التزم تحريم الصيد وهو حرام لقوله " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم " أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد وهكذا هنا أي كما أحللنا الانعام في جميع الأحوال فحرموا الصيد في حال الاحرام فإن الله قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه ولهذا قال تعالى " إن الله يحكم ما يريد " ثم قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " قال ابن عباس: يعني بذلك مناسك الحج وقال مجاهد: الصفا والمروة والهدى والبدن من شعائر الله وقيل شعائر الله محارمه: أي لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى ولهذا قال تعالى " ولا الشهر الحرام " يعني بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من ابتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم كما قال تعالى " يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " وقال تعالى " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا " الآية.
وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ". وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت كما هو مذهب طائفة من السلف. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى " ولا الشهر الحرام " يعني لا تستحلوا القتال فيه وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري واختاره ابن جرير أيضا وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم واحتجوا بقوله تعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " والمراد أشهر التسيير الأربعة قالوا فلم يستثن شهرا حراما من غيره وقد حكى الإمام أبو جعفر الاجماع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة قال وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان ولهذه المسألة بحث آخر له موضع أبسط من هذا وقوله تعالى " ولا الهدى ولا القلائد " يعني لا تتركوا الاهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الانعام وليعلم أنها هدى إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتبعث من يراها على الاتيان بمثلها فإن من دعا إلى هدى كان له من الاجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شئ ولهذا لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى