عبد القدوس بن الحجاج حدثنا ابن أبي عيينة حدثني عبد الملك بن أبي سليمان عن ابن أبي ليلى الكندي قال:
كنت مع مولاي أمسك دابته وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان إذ أشرف علينا من داره فقال " يا قوم لا يجر منكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح " يا قوم لا تقتلوني إنكم إن قتلتموني كنتم هكذا وشبك بين أصابعه وقوله " وما قوم لوط منكم ببعيد " قيل المراد في الزمان قال قتادة: يعني إنما هلكوا بين أيديكم بالأمس وقيل في المكان ويحتمل الأمران " واستغفروا ربكم " من سالف الذنوب " ثم توبوا إليه " فما تستقبلونه من الأعمال السيئة وقوله " إن ربي رحيم ودود " أي لمن تاب.
قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز (91) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط (92) يقولون " يا شعيب ما نفقه " ما نفهم " كثيرا " من قولك " وإنا لنراك فينا ضعيفا " قال سعيد بن جبير والثوري: وكان ضرير البصر. وقال الثوري: كان يقال له خطيب الأنبياء. قال السدي " وإنا لنراك فينا ضعيفا " قال أنت واحد. وقال أبو روق يعنون ذليلا لان عشيرتك ليسوا على دينك " ولولا رهطك لرجمناك " أي قومك لولا معزتهم علينا لرجمناك قيل بالحجارة وقيل لسببناك " وما أنت علينا بعزيز " أي ليس عندنا لك معزة " قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله " يقول أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاما لجناب الرب تبارك وتعالى أن تنالوا نبيه بمساءة وقد أتخذتم كتاب الله " وراءكم ظهريا " أي نبذتموه خلفكم ولا تطيعونه ولا تعظمونه " وإن ربي بما تعلمون محيط " أي هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم.
ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب (93) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين (94) كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود (95) لما يئس نبي الله شعيب من استجابتهم له قال يا قوم " أعملوا على مكانتكم " أي طريقتكم وهذا تهديد شديد " إني عامل " على طريقتي " سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب " أي مني ومنكم " وارتقبوا " أي انتظروا " إني معكم رقيب " قال الله تعالى " ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين " وقوله جاثمين أي هامدين لا حراك بهم وذكر ههنا أنه أتتهم صيحة وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلهم وأنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا " ناسب أن يذكر هناك الرجفة فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إخراج نبيهم منها وههنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم وفي الشعراء لما قالو " فاسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين " قال " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " وهذا من الاسرار الدقيقة ولله الحمد والمنة كثيرا دائما وقوله " كأن لم يغنوا فيها " أي يعيشوا في دارهم قبل ذلك " ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " وكانوا جيرانهم قريبا منهم في الدار وشبيها بهم في الكفر وقطع الطريق وكانوا عربا مثلهم.