سمعته يقول " إن الله عز وجل يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون فيقول " الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " الآية. أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة وقوله " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا " أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة " ويبغونها عوجا " أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة " وهم بالآخرة هم كافرون " أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها " أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء " أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة " ولكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار وفي الصحيحين " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ولهذا قال تعالى " يضاعف لهم العذاب " الآية. أي يضاعف عليهم العذاب وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صما عن سماع الحق عميا عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " وقال تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب " الآية ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة وقوله (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي خسروا أنفسهم لانهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى " كلما خبت زدناهم سعيرا " " وضل عنهم " أي ذهب عنهم " ما كانوا يفترون " من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئا بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى " إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " وقال تعالى " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال الخليل لقومه " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " وقوله " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم ولهذا قال " لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون " يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة لانهم استبدلوا الدركات عن الدرجات واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (23) * مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (24) لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الاتيان بالطاعات وترك المنكرات وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات والسرر المصفوفات والقطوف الدانيات والفرش المرتفعات والحسان الخيرات والفواكه المتنوعات والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذات والنظر إلى خالق الأرض والسماوات وهم في ذلك خالدون لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ولا ينامون ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون إن هو إلا رشح مسك يعرقون ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال " مثل الفريقين " أي الذين وصفهم أولا بالشقاء