رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون (69) يقول تعالى " وكذب به " أي بالقرآن الذي جئتهم به والهدى والبيان " قومك " يعني قريشا " وهو الحق " أي الذي ليس وراءه حق " قل لست عليكم بوكيل " أي لست عليكم بحفيظ ولست بموكل بكم كقوله " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " أي إنما علي البلاغ وعليكم السمع والطاعة فمن اتبعني سعد في الدنيا والآخرة ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والآخرة ولهذا قال " لكل نبأ مستقر " قال ابن عباس وغير واحد أي لكل نبأ حقيقة أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين كما قال " ولتعلمن نبأه بعد حين " وقال " لكل أجل كتاب " وهذا تهديد ووعيد أكيد ولهذا قال بعده " وسوف تعلمون " وقوله " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " أي بالتكذيب والاستهزاء " فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره " أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب " وإما ينسينك الشيطان " والمراد بذلك كل فرد من آحاد الأمة أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها فإن جلس أحد معهم ناسيا " فلا تقعد بعد الذكرى " بعد التذكر " مع القوم الظالمين " ولهذا ورد في الحديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله " وإما ينسينك الشيطان " قال إن نسيت فذكرت " فلا تقعد " معهم. وكذا قال مقاتل بن حيان وهذه الآية هي المشار إليها في قوله " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم " الآية. أي إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما هم فيه وقوله " وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ " أي إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن سعيد بن جبير قوله " وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ " قال ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم وقال آخرون بل معناه وإن جلسوا معهم فليس عليهم من حسابهم من شئ وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية وهي قوله " إنكم إذا مثلهم " قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله " ولكن ذكرى لهم لعلهم يتقون " أي ولكن أمرناكم بالاعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون (70) يقول تعالى " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا " أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلا فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم ولهذا قال وذكر به أي ذكر الناس بهذا القرآن وحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة وقوله تعالى " أن تبسل نفس بما كسبت " أي لئلا تبسل قال الضحاك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي تبسل تسلم وقال الوالبي عن ابن عباس تفتضح. وقال قتادة تحبس وقال مرة وابن زيد تؤاخذ. وقال الكلبي تجزى وكل هذه الأقوال والعبارات متقاربة في المعنى وحاصلها الاسلام للهلكة والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب كقوله " كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين " وقوله " ليس لها من دون الله ولي ولا